أنا أعرف نفسي حق المعرفة، وأدرك تماما ما أمتلك من قدرات فكرية وجدانية تعبر عن اجتذاب العبد لأعماق عبوديته (حريته) ووجوده الآدمي، ولا أحتاج لمن يلمع لي تاريخي كدعاء مبارك، ولا تاريخ صاحبي كميل بن زياد.
أقر بعذوبتي وبصفاء كلماتي علماء الشيعة وعلماء الجمهور، وصاروا يتابعون سيرة رواتي حتى بلغ أمير المؤمنين "عليه السلام" ما دار من معارك طاحنة مع جيش معاوية ممن سطوا على هيت لخلخلة الأمن، وأوقعوا بهم الهزيمة النكراء، فهرب أغلب الجيش وأراد أصحاب كميل ملاحقة المنهزمين الهاربين خوفا، فأمر كميل بن زياد أصحابه أن لا يتبعوا المنهزمين المدبرين ولا يجهزوا على جريح.
والكتابة عن مثل هذا المحور القيادي الذي يحمل سمات معلمه أمير المؤمنين "عليه السلام" وسمات نبي الرسالة المحمدية "صلى الله عليه وآله وسلم"، تقرب إلينا موضوع الإنصاف في رؤية التاريخ، وعدم الميل إلى الغرضية والتبعية السياسية، ولا يجوز لمنصف ضمير أن يقفز على كل تلك المواقف الإنسانية العظيمة، كتب الإمام "عليه السلام" إلى كميل:
ـ (أما بعد، الحمد لله الذي يصنع للمرء كيف يشاء وينزل المطر على من يشاء اذا شاء، نعم المولى ربنا ونعم النصير) احتوى كتاب أمير المؤمنين "عليه السلام" إلى كميل بن زياد على مضمونين... (الأول) هو الاستحسان فلقد أحسنت النظر للمسلمين ونصحت إمامك وقدما كان ظني بك، فجزيت والعصابة التي نهضت بهم إلى حرب عدوك خير ما جزى الصابرون والمجاهدون. والمضمون (الثاني) في كتاب أمير المؤمنين إلى كميل هو تنبيه فانظر لا تغزون غزوة ولا تجلّون إلى حرب عدوك خطوة بعد هذا حتى تستأذنني في ذلك، كفانا الله وإياك تظاهر الظالمين إنه عزيز حكيم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وقيل أيضا كان في كتاب أمير المؤمنين إلى كميل بعض التوجيهات التي تأخذ مسارات علم الحرب.
عجبت لحوار جرى بين معلم في جامع الكوفة وتلاميذه، وكان الحوار يدور عن سمات شخصيه كميل، فقال الأستاذ هل كل ما سجله التأريخ لكميل إنه كان (مرموقا في قومه شريفا مطاعا)
وهذا ما تذكره المصادر عنه؟
فأجاب أحد التلاميذ إن صحبة الإمام علي "عليه السلام" لا بد أن تعطي الإنسان هذه المنزلة الاجتماعية، كان يتميز بعلمه ومنزلته العلمية، والتقوى ورجاحة عقله وتدبيره للأمور، حتى بلغت منزلته منزلة سلمان المحمدي "رضوان الله عليه" فأجاب المعلم حينها بأن كميل بن زياد "رضوان الله عليه"، كان على مستوى رفيع من العلم والمعرفة ولم تقتصر معرفته على علم واحد، وله محاورات علمية وفقهية وقد تزود من سيده أمير المؤمنين "عليه السلام"، بالعلوم الجمة والحكمة والمغيبات، وممن روي عنه المعضلات، اشعر بسعادة كبيرة حين أسمع من ينصف علمية كميل بن زياد، أكاد أصرخ فرحا.
فأنا أبتهج عندما أجد معلما منصفا يقول إن لكميل معرفة في البناء والهندسة وتدبير الأمور، فكان أحد أولئك الذين كانوا خزنة العلم والذين منحهم الإمام علي "عليه السلام" علمه، وقد وصف كميل بأنه كان على درجة كبيرة من التقوى والإيمان، وعرف عنه بكثرة قراءته القران الكريم، حتى قيل عنه لا تفتر شفاهه عن تلاوة القران، عرف عنه بسعة صدره وإخلاصه وصفات نيته وبصلابة وثبته على الحق.
يعتقد البعض كأني أنا المنجز المعرفي الوجداني الوحيد لهذا الرجل المميز، سعى البعض لمعرفتي وأن أكون من أحد أهم مميزاته المعرفية، لكن هناك الكثير الذي لم يدرك بعد.
سأل كميل مولاي أمير المؤمنين "عليه السلام" يوما عن النفس فقال له الإمام علي سلام الله عليه أي النفس؟
قال كميل: ـ هي غير نفس واحده؟
قال عليه السلام هي أربعه أنفس
الأولى النامية النباتية/ الثانية الحيوانية/ الثالثة الناطقة القدسية/ الرابعة الإلهية/ ولكل منها قوى خمس وخاصتان.
أما القوة النامية النباتية الخمس
الأولى الماسكة/ الثانية الجاذبة/ الثالثة الهاضمة، الرابعة الدافعة /الخامسة المربية، وخاصتاها الزيادة والنقصان، وانبعاثها من الكبد
وأما قوة النفس الحيوانية لها خمس قوى
الأولى السمع/ الثانية البصر/ الثالثة الشم/ الرابعة الذوق/ الخامسة اللمس، وخاصتها الرضا والغضب، وانبعاثها من القلب.
وأما قوى الناطقة القدسية لها خمس قوى
الأولى الفكرة/ الثانية الذكر/ الثالثة العلم/ الرابعة العمل.
الخامسة النباهة وليس لهم بعاث وهي أشبه الأشياء بالنفس الكلية وخاصتاها النزاهة والحكمة،
وأما القوة الكلية الإلهية لها خمس قوى.
الأولى البقاء في الفناء/ الثانية العز في الذل/ والثالثة الفقر في الغنى/ والرابعة الصبر في البلاء/ الخامس النعيم في الشقاء/ وخاصتها الحلم والكرم، ومنتهاها ومبدآها من الله، لقوله عز وجل (ونفخنا فيه من روحنا)، ومرجعها إليه لقوله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) والعقل وسط الكل حتى لا يتكلم أحد منكم من غير العقل.
ومن فضل الله عليّ أني بقيت خالدا أمر على كل جيل فأراهم يعرفونني أكثر مما أنا أعرفهم وصرت بين الخيرين هوية وانتماء.
|