تنزف الدهشة عند مرابع السكون، وفي زمن تناثرت فيه عتمات العصور، علينا أن نتوسل النور البهي ليزيح الظلمة عنا، وقد جادت الدهور بنسيج سؤال: ما الذي جرى كي تُسد الأبواب في مسجد رسول الله إلا باب الخير، وباب الطهر والكرامة والمصير؟
قال أمير المؤمنين علي (ع): لما بنى النبي الأكرم (ص) مسجده بالمدينة، أشرعت أبواب كثيرة لتنال بركات الفضيلة، وإذا بجبرائيل (ع) ينزل بأمر من الله سبحانه تعالى أن سدوا الأبواب عن مسجد الرسالة والخشوع... وورد أن أول الأبواب التي حملت ذاكرة الهجوع هي باب العباس بن عبد المطلب مع قرابته للنبي (ص).
وقيل: إن سيدة نساء العالمين الزهراء (ع) كانت تجلس ببابها تنتظر: متى سيصهل خبر الرحيل لتملم سجادات الصلاة وأدعية الشموخ، وتحمل معها قناديل الإمامة وميراث النبوة الى محراب آخر، وجاءت البشارة: (أنتم نفس رسول الله يا فاطمة، لقد حصَّن اللهُ بابك بالأمن والأمان، ولقد حصن الله بابك يا سيدة نساء العالمين بالطهر والقبول).
توسل واحد من أهل الزعامات طمعاً في كوة (فُرجة الحائط): هي عبارة عن نافذة صغيرة تخصص له في المسجد، فقال له النبي (ص): لقد أبى الله (عز وجل) حتى ولو بقدر طرف، لا يسمح لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت في هذا المسجد إلا أنا وعلي وأهله المنتجبون (ع).
الأبواب قناعات ونوايا خير وصلاح، دونه تصبح الأبواب مجرد خلع من خلع الثبور، وهذا هو الفارق بين من رضى وسلم وبين من اغتاظ ومشى إلى بعضه موسوسا (ها هو يخص بالفضل ابن عمه لنخرج صفر اليدين)، وكأن الأمر غنيمة، كثرت هواجسهم المرعوبة، فتصدى لهم النبي (ص): لو رأيتم علياً وعظيم منزلته عند ربِّ العالمين، وشريف محله عند ملائكته المقربين، وعظيم شأنه في أعلى عليين، لاستقللتم ما ترون له ههنا... الأبواب ليست أمنيات ورغبات مأهولة بالإدعاء، الأبواب هي أبواب يقين فضلها اللهُ لآل البيت (ع)، وهم أبوابُ الله في كلّ وقت ومكان.
|