روى البخاري بسنده: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا، ثُمَّ قَالَ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ... حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لله رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ...).
مناقشة الحديث:
يرد على هذا الحديث هنا قوله: "هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ فَيَقُولُونَ السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ"، فتزعم هذه الرواية أنَّ العلامة التي بينهم وبين الله تعالى هي الساق، فلا يعرف المؤمنون والمنافقون ربهم إلاَّ عن طريق الساق، وهذه الساق مجهولة عند مَن آمن برؤية الله تعالى، وذلك لاختلاف علمائهم بها؛ قال النووي: وفسَّر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا بالشدة، أي يكشف عن شدة وأمر مهول، وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر، ولهذا يقولون: قامت الحرب على ساق، وأصله أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد شمَّر ساعده وكشف عن ساقه للاهتمام به.
قال القاضي عياض: وقيل المراد بالساق هنا نور عظيم، وورد ذلك في حديث عن النبي (ص). قال ابن فورك: ومعنى ذلك ما يتجدد للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والألطاف. قال القاضي عياض: وقيل قد يكون الساق علامة بينه وبين المؤمنين من ظهور جماعة من الملائكة على خلقة عظيمة؛ لأنه يقال: ساق من الناس، كما يقال: رجل من جراد. وقيل: قد يكون ساق مخلوقًا جعله الله تعالى علامة للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة، وقيل: معناه كشف الخوف وإزالة الرعب عنهم، وما كان غلب على قلوبهم من الأهوال، فتطمئن حينئذ نفوسهم عند ذلك، ويتجلى لهم فيخرون سجدًا. (شرح صحيح مسلم للإمام النووي: 3/29-30[كتاب الإيمان/باب (81)-ح. 302(183)]. فالحاصل: أنَّ هذه الساق غير معلومة على وجه اليقين، فإذا جهلوا معرفتها في الدنيا ولم يتفق علماؤهم على معنى هذه العلامة(الساق)، فكيف تكون لهم علامة لمعرفة الله تعالى يوم القيامة؟!
والأمر العجيب أنهم لم يعرفوا الله تعالى مِن صفاته التي وُصِفَ بها في القرآن الكريم كقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى:11، بل عرفوه مِن الساق الَّتي فسَّرها بعض علمائهم بجسم، فجعلها ساقاً عظيمة جداً خارجة عن السوق الَّتي اعتادوا أن يروها، فقال: (قد يكون ساق مخلوقا جعله الله تعالى علامة للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة(. (نفس المصدر السابق).
|