الموقف السلفي من الصراع الفكري

 إن تاريخ المجتمعات هو تاريخ صراع الطبقات، صراع بين أولئك الذين يمتلكون وسائل الإنتاج، وبالتالي يملكون السلطة السياسية والاجتماعية وبين من لا يملك إلا سواعد العمل... ويولد هذا الصراع حركة التاريخ والمجتمع، وتطور النظام الاجتماعي من مرحلة الى أخرى. وبما أن المصالح الاقتصادية في مجتمع معني هو الأساس المادي الملموس لانقسامه السياسي على ذاته, فأن معرفته كشرط منطقي لتغييره، هي موضوع صراع طبقي بين المستفيدين من واقع الحال الاقتصادي القائم والمتضررين منه. ومن هذا المنظور، لا يجوز اختزال هذا الصراع ببعده الاقتصادي أو السياسي، بل هو صراع أكثر تعقيداً من أن يختزل على هذا النحو.
 ففي العملية التاريخية الواقعية، توجد عادة ايديولوجيات مختلفة ومتناقضة تتصارع فيما بينها، وترتبط بمصالح الطبقات والجماعات الاجتماعية المختلفة. فلا حيادية في معرفة مجتمع منقسم الى أطراف غير متكافئة، فالباحث الاجتماعي ينتمي بالضرورة للمصالح التي يعبر عنها. وأما الايديولوجية المحددة التي تحقق موضوعية المعرفة الاجتماعية، فهي الايديولوجية الملتزمة بمصالح أغلبية المجتمع المعني والمعبرة عنها على نحو يحقق شروط تطابق الوعي العلمي والوعي الايديولوجي الطبقي.
 ولم يعد مطروحاً التحرر من رأس المال في أي مكان كأحد الخيارات السياسية, فلم يعد في الساحة سوى نظام واحد هو الرأسمالية، وأيديولوجية واحدة هي الليبرالية، وكلاهما يدينان بالعولمة دون منازع. ولاشك أن هذا الواقع قد أسفر عن نتائج كئيبة: أما النتيجة الأولى: فهي تتمثل في نهاية الصراعات المختلفة التي كانت تتواجه فيها رؤيتان للعالم. أما النتيجة الثانية: فهي تعني بالضبط سيطرة النزعة الاقتصادية الشاملة، والتي ينادي بعضهم بحتميتها، والتي تجعل السياسات الوطنية ودور الدولة تحت سيطرة المصالح المجهولة للقوى المالية والمجمعات العسكرية والصناعية. 
 إن الموقف السلفي المتخلف من التراث، كان ولما يزل من أبرز العوائق دون وصول تراثنا حتى اليوم الى المكانة التي يستحقها في حركة الفكر المعاصر، وهذا يضع على عاتق المثقفين الديمقراطيين والتقدميين مهمة رفع الاضطهاد التاريخي عن تراثنا... هذا الاضطهاد الذي يعاد انتاجه من جديد اليوم من قبل قوى التخلف والظلام, والعمل الجاد الواعي لإعادة الاعتبار لما هو حي بالفعل من عناصره، وكشف الصلة المطموسة فيه بين ماضينا والحاضر لإثبات الأصالة في ثقافتنا الوطنية المعاصرة.