• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سوريا بين طمس الهوية وهيمنة العقل الصحراوي والتكفيري .
                          • الكاتب : رياض سعد .

سوريا بين طمس الهوية وهيمنة العقل الصحراوي والتكفيري

بعد سقوط نظام الأسد، برزت في الاشهر الأخيرة تحولات خطيرة تهدد التركيبة الديموغرافية والثقافية السورية... ؛ فقد بدا واضحاً أن هناك تلاعباً مقصوداً بالهوية السكانية، يتجلى بدءاً من تركيبة ما يسمى بـ"حكومة أحمد الشرع (الجولاني)"، التي تضم في معظمها عناصر ذات جنسيات أجنبية، وصولاً إلى عشرات الآلاف من المرتزقة الأجانب الذين مُنحوا الجنسية السورية لأهداف سياسية وأمنية، وانتهاءً بعمليات النزوح الداخلية المنظمة من الأطراف والبوادي إلى قلب المدن السورية والمدن الساحلية .

هذا التدفق لم يقتصر على حركة انتقال سكانية طبيعية، بل حمل معه تراثاً بدوياً صحراوياً متشدداً، وأفكاراً سلفية أصولية، تعمل السلطة الحالية على رعايتها وتغذيتها، لتفرض نفسها على المدن الحضارية كسلوكٍ بديل، ولتجعل من أنماط العيش الخشنة قاعدة على حساب الإرث الاجتماعي الراقي والثقافة المدنية السورية.

إن ما يجري اليوم هو عملية ممنهجة لطمس الهوية الثقافية والتاريخية السورية، حيث تُستبدل الرموز المدنية والثقافية بمنطق القبيلة والشيخ والسيف ... ؛ أدوات هذه العملية واضحة: القمع، الترهيب، التكفير، الإقصاء، والقتل الجماعي... ؛ بل وصل الأمر إلى عمليات ترحيل وتهجير قسري للفئات غير المرغوب بها – من علويين وشيعة ودروز وغيرهم – ليحل محلهم الأجانب والدخلاء ومن لف لفهم ، في مخطط يراد له أن يغير وجه سوريا الديموغرافي والثقافي ويعيدها قروناً إلى الوراء بحجة احياء الدولة الاموية .

إن ما يجري ليس مجرد تبدل في السلطة، بل هو استعارة تاريخية لبعث "سوريا الأموية" بوصفها نموذجاً للحكم الأحادي المتسلط ، حيث تُختزل الدولة في قبيلة وزعيم وسيف... ؛ إنها محاولة لإعادة إنتاج نظام هيمنة رجعي متخلف، يقوم على إقصاء الآخر المختلف، ومصادرة حقوقه المدنية والدستورية، وصولاً إلى ممارسة الإبادة الجماعية والتعذيب والتهجير.

لكن إنقاذ سوريا لا يكون بالعودة إلى خطاب نظام الأسد وحزب البعث ، الذي هو الآخر أسهم في إضعاف الثقافة المدنية وتشويه الهوية الوطنية... ؛ المطلوب اليوم هو بناء خطاب تنويري بديل، تتبناه نخب فكرية وثقافية حرة، قادرة على انتشال البلاد من هيمنة "العقل الصحراوي المستبد"، وفك ارتباطها بالأوهام التاريخية وخرافات السيف والقبيلة.

نعم إن المهمة شاقة، لكنها ليست مستحيلة... ؛ فالتاريخ علمنا أن الشعوب قادرة على النهوض مهما كان الخراب شاملاً... ؛ ان ما يحتاجه الشعب السوري اليوم هو ثورة مضادة وبديلة ؛ ثورة تبدأ من المقاومة الفكرية والمعرفية، ومن إعادة سوريا رويداً رويداً إلى خارطة الحضارة والمدنية، بعد أن مزقتها العقول الهمجية القادمة من الصحراء ومن دهاليز المخابرات الاجنبية المظلمة ؛و المحمّلة بالثأر والكراهية والانتقام والاجرام .

إن الرهان على سوريا ليس مجرد رهان سياسي أو عسكري، بل هو رهان على الثقافة والمدنية، وعلى استعادة دورها كجسر حضاري وإنساني في الشرق... ؛ فإما أن تنتصر سوريا للإنسان وللعقل وللحرية، وإما أن تُسحق تحت ثقل البداوة والهمجية والتكفير والطائفية .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=207851
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 16