• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ﷴ الأمين.. شهادة قريش على نبوةٍ لم تُبعَث بعد!! .
                          • الكاتب : طارق الغانمي .

ﷴ الأمين.. شهادة قريش على نبوةٍ لم تُبعَث بعد!!


-دراسة تأصيلية-
إن دراسة حياة النبي الأكرم ﷴ (صلى الله عليه وآله) قبل البعثة تعد دراسة تأصيلية لمرحلةٍ تكوينيةٍ أعده فيها الخالق (عز وجل) ليكون أعظم قائدٍ وإمامٍ للبشرية، فالأخلاق والفضائل التي كان يتحلى بها (صلى الله عليه وآله) كانت مصداقاً لقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(القلم/4)، إنه ثمرة غرسٍ إلهيٍ عميقٍ في شخصيته النقية، ليغدو بذلك القدوة التي لا تدحض. 
لقد أشارت النصوص في هذا المضمار إلى حقيقة جوهرية مفادها أن عظمة شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت قد سبقت عظمة رسالته، ففي مجتمعٍ جاهليٍ تغلب عليه العصبية القبلية ويساد فيه الصراع، كانت هناك خصلتان تعدان أرفع قيم الرجولة وأسمى صفات الشرف: الصدق والأمانة، وهاتان الصفتان كانتا قوام شخصيته وجذرها الراسخ الذي أينع وازدهر وسط قسوة الصحراء.
إن كتب السيرة والتاريخ، وحتى شهادات الخصوم، لم تسجل عنه أي سلوكٍ يعيبه، وهذا السجل الخلقي الناصع هو جزء من الاصطفاء الإلهي الذي يؤهل النبي لحمل أثقل أمانةٍ. فكيف يمكن لأمةٍ أن تسلم مصيرها وتاريخها لرجلٍ لم يجربوه في الأمانة، أو شكوا في صدقه؟ لقد كان خلقه هو الدليل العملي الأول على أن ما سيأتي به من الوحي هو حق لا ريب فيه. لقد أودع الله تعالى في شخصه مكارم الأخلاق، فكان شخصيةً آسرةً تملك من السمو والرقي والصفات الإنسانية ما حير أعداءه وشد أحباءه، كان معجزةً أخلاقيةً بكل المقاييس والمؤشرات، ولعل أبرز شاهد على هذه العظمة هو تلك الحادثة الشهيرة التي كادت أن تشعل حرباً لا تبقي ولا تذر بين بطون قريش، حينما اختلفوا على شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، واستمر الخلاف أربعة أو خمسة أيام، وكاد القوم يقتتلون فيما بينهم، حتى اتفقوا على حكمٍ يرضون به جميعاً وهو أعلى مراتب العقل والحكمة: أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فكانت المفاجأة أن أول من دخل هو محمد (صلى الله عليه وآله) وما أن رأوه، حتى صاحوا جميعًا: "هذا الأمين قد رضينا به، هذا ﷴ".
هذا التصريح كان إقراراً من ألد الخصوم بصفاتٍ عاشوها وعايشوها في شخصه الشريف لسنواتٍ طويلة، كانوا يعرفون أنه رجل حكمةٍ وعدلٍ، وأنه أهل للثقة التي يمكن أن تنهي نزاعاً مدمراً، وهنا تتجلى استراتيجية نبوية في حل النزاعات: لم يفرض عليهم رأيه، وإنما وضع حلاً تشاركياً أشرك فيه الجميع في الشرف، مما أنهى الفتنة وأعاد التلاحم، وبحله الخلاف بحكمةٍ بالغة، فوضع الحجر في ثوبٍ، وطلب من كل قبيلة أن تأخذ بطرفٍ منه، فرفعوه جميعًا، وهكذا شاركت كل القبائل في هذا الشرف، وانتهت الفتنة التي كادت أن تهلكهم.
بناءً على ما سبق، يمكننا القول إن هذه المرحلة من حياة النبي (صلى الله عليه وآله) كانت تمهيداً أساسياً لترسيخ دعامتي الرسالة: المصداقية الشخصية والقدوة الأخلاقية، فالنبي لم يأت ليدعو إلى دينٍ غريبٍ عنه، وإنما جاء ليدعو إلى مبادئ عاشها وطبقها في حياته اليومية. إن هذه الرؤية التأصيلية ترسخ حقيقةً هامةً: أن عظمة الدعوة تبدأ بعظمة الداعي، لقد كان خلق النبي (صلى الله عليه وآله) هو الجسر الذي عبر به إلى قلوب الناس وعقولهم، وهو الدليل الذي لا يحتاج إلى برهانٍ على أنه نبي مرسل من عند الله تبارك وتعالى.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=207800
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 14