في عام 1984، اتخذ مجلس التعاون الخليجي قرارًا بإنشاء قوة عسكرية مشتركة، عُرفت باسم قوة درع الجزيرة، قوامها 10 آلاف جندي موزعين على لواءين، واتخذت من المملكة العربية السعودية مقرًا لها بالقرب من الحدود الكويتية والعراقية. الهدف المعلن حينها كان حماية دول الخليج العربي من أي تهديد خارجي، وتعزيز أمنها القومي في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بعد أربعة عقود من تأسيس هذه القوة: هل قامت درع الجزيرة بالدور الذي أنشئت من أجله؟
العدوان الإسرائيلي على قطر
في التاسع من سبتمبر 2025، شنت الطائرات الإسرائيلية هجومًا واسعًا على العاصمة القطرية الدوحة، قُدّر عددها بثلاث عشرة طائرة، وأسفر القصف عن استشهاد خمسة أشخاص، بينهم رجل شرطة قطري وأربعة فلسطينيين، فيما لم يُصب قادة المقاومة الفلسطينية الذين كانوا المستهدفين المباشرين، باستثناء ابن أحد القياديين.
هذه الضربة، التي هزّت الرأي العام العربي والخليجي، فتحت الباب أمام تساؤلات محرجة:
أين كانت قوة درع الجزيرة من هذا الاعتداء؟
لماذا لم تتحرك ولو بشكل رمزي للدفاع عن إحدى دول مجلس التعاون الخليجي؟
هل أنشئت هذه القوة لمواجهة الأخطار الخارجية، أم لقمع الاحتجاجات الداخلية كما حدث في البحرين عام 2011؟
مليارات بلا جدوى
تُنفق دول الخليج سنويًا مليارات الدولارات على التسلح وشراء أحدث المنظومات الدفاعية، من طائرات مقاتلة إلى أنظمة صواريخ مضادة للطائرات، إضافة إلى تحالفات أمنية مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. ومع ذلك، تمر الطائرات الإسرائيلية عبر أجواء عربية لتصل إلى قطر وتنفذ غاراتها دون أي اعتراض أو رد.
هذا الصمت غير الطبيعي يثير شكوكًا حول الدور الحقيقي لهذه الترسانة العسكرية: هل هي لحماية الشعوب، أم لحماية الأنظمة والقصور فقط؟
قطر.. الحليف الأقوى لواشنطن
المفارقة الكبرى أن قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وتلعب دور الوسيط في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، لم تجد في كل ذلك ما يشفع لها أمام العدوان الإسرائيلي. فالقصف وقع، وسقط الضحايا، بينما التزمت القوى الإقليمية والدولية الصمت أو أصدرت بيانات شجب لا تسمن ولا تغني.
ختامًا
يبقى السؤال مفتوحًا: ما جدوى درع الجزيرة إذا لم يتحرك لحماية دولة عضو في مجلس التعاون تتعرض لهجوم مباشر من قوة خارجية؟ هل أصبح دوره مقتصرًا على ضبط الأمن الداخلي وحماية الملوك والأمراء، بدلًا من الدفاع عن سيادة دول الخليج وأمن شعوبها؟
إن صمت هذه القوة أمام العدوان الإسرائيلي على قطر ليس مجرد موقف عابر، بل هو انعكاس لمعادلة أمنية مختلة، تكشف أن الإرادة السياسية لا تقل أهمية عن السلاح، وأن القرار في النهاية ليس بيد الجيوش، بل بيد من يملك الجرأة على مواجهة المعتدي.
|