أخبرني سادن الشعر أنه يتوجس من ربقة الصمت إذا اعتكف السكوت، وحدثني عن حرقة الروح إذا تأتأت الأمنيات
ويستبشر بالحرف حين تعتلي حكمته ظهر الخطاب، لهذا صرت أدنو إلى الحوار وأنا أوجز السؤال، لأن الحلم وثبة هذا البهاء، فما أجمل الحرف حين يصلي على سجادة السلام، على لهيب التوق، على بياض الجبين، وقداسة الوعي يقظة أمة، سفر من سدرة التاريخ المهيبة إلى نزيف الرؤى، إلى لهجة التبرك بالحضور، استميح حواري مع الشاعرة وفاء الطويل لأوغل في شجى السؤال:
ـ هل تعشقين الخطاب مع الرمز المقدس؟ هل يدفع مثل هذا الخطاب إلى سبل الإبداع المزدانة باليقين؟
ـ الرمز المقدس عقيدة وانتماء، وهو يمثل الطهر المطلق في تارخ البشرية، والخطاب معه ارتقاء الجزئي إلى الكلي، هو الوسيط الذي يمنح الروح الشعور بالانتماء إلى أفق أعلى من ذاتها.
نعم أعشق الخطاب معه فالحوار معه ينعش بنية هويتي العقدية بالإيمان العميق فيتولد الوعي الذي لا ينفصل عن القداسة.
هكذا هو يوقظ بواطننا يسافر بنا نحو اليقين نحو لب الحقيقة.
"بسمله"
إِنِّي نَقَشتُكَ فِي الحُشَاشَةِ بَسمَلَهْ
إِنْ غِبتَ حَاصَرَنِي السُّــؤَالُ بِأَسئِلَهْ
مَا بَيْـــنَ إِنْسَـــانِي وَبَيْـــنَ هُوِيَّتِـــي
قِيَـمٌ أَرَاهَــا فِــي سَنَـــاكَ مَفَصَّلَـــه
إِنِّـــي أَرَاكَ بِعِـــزَّةِ النَّـفْـــسِ الَّتِـــــي
كَانَتْ بِهَــا (هَيْهَاتَ) وَجْــهَ الْبُوصَــلَهْ
وَأَرَاكَ فِـي عَقْلِـــي أَرَاكِ بِخَــافِـقِـــي
وَأَرَاكِ فِــي أَعْمَاقِ رُوحِي الْمُشْعَلَـهْ
وَأَرَاكَ فِـــي الْأَمْـــوَاهِ طَيـــْفَ عِنَايَـــةٍ
أَكْوَاسِــيَ الظَّمِئــَاتُ مِنْـــكَ مُبَلَّلَـــهْ
وَأَرَاكَ لِـــي سُبُـــلَ النَّجَـــاةِ إِذَا نَمَـــا
خَوفِي وَكَشَّرَتِ الــدُّرُوبُ الْمُمْحِلَـــهْ
وَإِذَا الشَّــدَائِـــدُ وَالصُّـــرُوفُ تَكَالَبَـــتْ
بَك "يَا حُسَيْنُ" تُحَلُّ أَعْنَــفُ مُعْضِلَـه
وَأَرَاكَ إِنْ خَـــانَ الزَّمَـــانُ وَلَـــمْ أَجِـــدْ
إِلَّاكَ فِــي طُــرُقِ الْمَــآثِـــرِ سُنْبُلَـــهْ
يَكْفِي بِأَنْفَاسِـــي لِنَهْجِـــكَ تَنْتَمِـــي
تَنْمُــو عَلَــى أَرْضٍ حَوَتْـــكَ قُرُنْفُلَـــهْ
وَإِذَا وَقَـفْـــتُ بِـكــَـــرْبَـــلَاءَ تَــأَوَّهَـــتْ
مِنْهَا الْمَحَــاجِرُ، وَالْجِـــرَاحُ الْمُثْقَلُـــهْ
عَطِشًا سَقَيتَ الدِّينَ حَتَّى أَصْبَحَـــتْ
أَعْضَاءُ جِسْمِكَ فِي الطُّفُوفِ مُكَرْبَلَـهْ
وَلَأَنَـــتْ لِلْإِسْـــلَامِ نَـبـْـــضُ حَيَــاتِـــهِ
قَدْ كُنْتَ أَصْـــلًا لِلْوُجُـــودِ وَمَدْخَلَــــه
اللهُ أَكْبَـــرُ فِـــي الْمَـــدَى أَحْيَـيْـتَهَــــا
لَوْلَاكَ كَانَتْ فِـــي الصَّـــلَاةِ مُعَطَّلَــهْ
وَأَرَاكَ فِـــي أُفُـــقِ الْجَـلِيـــلِ جَـلَالَـــهُ
وَلَأَنْــتِ عِنــْدَ اللهِ أَعْظَــمُ مَنْـــزِلَـــه
وَنِدَاؤُكَ الصَّـــــدَّاحُ "هَــلْ مِنْ نَـاصِـــرٍ"
مَا زَالَ يَجْمَـــعُ لِلْمُؤَمَّـــلِ جَحْفَلَـــه
في كل قصيدة عالم يتحرك نحو رموز الروح النقية، فتكثر ياءات النداء نجوما تضيء السماوات في ملكوت التواريخ، وفي صفوة الذهن المتوهج تبرز تاءات التأنيث على مرامي اليقين، فكرا يحفل بالبهاء...
سبحان الله الذي يزكي الماء في عروق الشجر، لينمو في مسارات حرف هذا الحضور، وتعلو قباب الخير في مهج القصيدة...
ومن الرمز النسوي المقدس يولد الصوت مهيبا والقصيدة أنثى... تدرك معنى الشعر حين يكون زينبي الهوى وتاء التأنيث ترفع التل شمسا لا تغيب...
كيف ترين الأدب النسوي هل استطاع أن ينهض ليحتوي مدركات هذا الوعي بمستوى الطموح ويرفع راية نون القداسة أملا يحي النفوس؟
ــ تناول الرمز النسوي المقدس كالسيدة خديجة، والزهراء والسيدة مريم بنت عمران وزينب بنت علي وآسيا بنت مزاحم "عليهن السلام"، وغيرهن من الرموز النسوية المقدسة يحتاج إلى دقة.
فالقصيدة هنا تحتاج اللغة والروح والرمز، وهي مطالبة بأن تتجاوز الجمال الصوتي كالأجراس أو التكرار البلاغي أو المجاز لتصل إلى حضور قوي.
المستوى المأمول لأي قصيدة في هذا السياق هو تحويل حضور الرمز إلى تجربة معرفية من استحضار طاقته المقدس بكل أبعادها، لنجعل القارئ يشعر بالرهبة والجلال.
وللجزالة دور في تحقيق هذا الأمر، فحين يكون الخطاب الشعري متينا، متماسكا في بناء الصور يعطي الرمز مقامه من خلال النسيج المركب من المعاني والصور التي يختزلها المعنى ببلاغة وإيجاز، تاركا أثرا دائما في ذهن ووجدان المتلقي.
ويتحقق المستوى المأمول عندما تتحد الرمزية القوية الفاعلة، والموسيقى الشعرية واللغوية والمعنى العميق في وحدة شعرية فلسفية متينة، فتصبح القصيدة تجربة وجودية، يستشعر فيها القارئ حضورا مقدسا كقوة كونية وروحية فاعلة.
وليست كل قصيدة تحقق هذا المستوى؛ فالأصل أن تكون القصيدة جسورا بين الرمز ومآثره واللغة والموسيقى الشعرية والروح، بالابتعاد عن السطحية، ورفع مستوى نص الرمز المقدس من حدود الشكل إلى آفاق رحبة عميقة، فتكون جزلة، قوية بما يليق بحجم الرمز ذاته.
"كيف للدهر أشرح؟!"
وَمَا عُدْتُ أَدْرِي كَيْــفَ لِلدَّهْـــرِ أَشْــرَحُ وَهَــٰذِي دُمُوعِــي فَوقَ خَدِّيَ تَمْرَحُ
وَفِـي دَاخِـلِـي نَـوْحٌ تَعَـالَــى نَشِيجُــهُ بِهِ تُغْلَـقُ الأَفْـرَاحُ وَالحُــزْنُ يُفْتَـــــحُ
سَــأَفْتَـــحُ دَارِي لِلـمُـعَــزِّيــنَ مُـعْـلِنًــا عَزَائِي لِعِيسَى وَالتِّــلَاوَاتُ تَصْـــدَحُ
تَـغَيَّـبَـــتِ العَـــذْرَاءُ عَـنْــهُ وَغَـــادَرَتْ إِلَى رَحْمَةِ الرَّحْمَـٰنِ لِلخُلْــدِ تَجْنَــــحُ
وَمَــا أُضْـرِمَــتْ بِـالنَّار ِأَعْتَــابُ دَارِهَــا وَمَا أُسْقِطَ المَـوؤُودُ بِالــدَّمِ يَسْبـَــحُ
وَمَا تَرَكَ المِسْمَارُ فِي صَدْرِهَا الصَّدَى وَفِي خَدِّهَا لَــوْنُ الأَسَـــى يَتَلَفـَّــحُ
فَــلَحـَّـدَهَـــا رُوحُ الإِلَـٰـــهِ وَلَــمْ يَجِـــدْ بِجُثْمَانِهَا ضِلْعًا بِــهِ القَلْـــبُ يُجْـــرَحُ
فَـــآهٍ عَلَـــى أُمِّ النُّـبُـــوَّةِ لَـــمْ تَـــــزَلْ عَلَى رُوحِهَا الأَرْزَاءُ تُمْسِي وَتُصْبِحُ
"النموذج الأسمى"
خديجة الكبرى
تَــغُـــطُّ مَكَّـــةُ فِـــي نَـــوْمٍ مِـــنَ الظُّلَـــمِ وَحَوْلَهَا الكُفْرُ عَنْ نُورِ الإِلَـٰهِ عُمِــي
لَا شَيْءَ فِيهَا سِوَى الأَفْرَادِ قَدْ حَفِظُوا الدْ ـدِينَ الحَنِيفَ وَقَدْ مَالُوا عَنِ الصَّنَمِ
أَيَـــا خَــدِيــجُ وَكُــنْـــتِ بَيْـنَــهُــمْ عَلَمًـــا مِنَ النَّقَــاءِ بَلَغْـــتِ ذُرْوَةَ القِمَــــمِ
وَبِـالبَــصِيـــرَةِ أَبْــصَــرْتِ الضِّـيَــا وَضَـحًـــا آمَنْتِ وَعْيًا وَفِكْرُ النَّاسِ فِي سَقَمِ
بَذَلْتِ مَالَكِ فِـي نَصْـرِ الرَّسُـــولِ وَفِـــي سَبِيلِ إِيصَـــالِ دِيـــنِ اللهِ لِلأُمَــــمِ
وَاسَيْـــتِ خَيْـــرَ عِبَـــادِ اللهِ كُنْـتِ لَـــهُ خَيْرَ المُعِينِ وَخَيْرَ الظَّهْرِ فِي الأَلَـمِ
بِعْـــتِ الفَنَـاءَ لِتَشْرِي الخُلْــدَ رَاجِيَــةً رِضَا الإلَـٰهِ فَنِلْـــتِ أَعْظَـــمَ النِّعَـــمِ
وَصَارَ بَيْتُـكِ فِــي الفِرْدَوسِ مِنْ قَصَـبٍ خَالٍ مِنَ الوَهْنِ وَالأَحْزَانِ وَالسَّــأَمِ
|