عمّان-
يقع كتاب "ما وراء القناع" في 208 صفحة من القطع المتوسط، كتبه مؤلفه خليل هلسة بلغة وجدانية تخاطب الفكر، والمشاعر، ومكنونات النفس.
يتناول الكتاب موضوعات وجودية فلسفية بأسلوب سلس، يميل إلى سرد التجربة الداخلية على شكل خواطر موجهة إلى قارئ فطن يعيش تجربة مشابهة من الصدق مع النفس، والبحث عن معنى الحياة.
يعرض الكتاب مشكلة الأقنعة التي يتلفع بها البشر ليكونوا مقبولين أو محبوبين في صراعات الحياة ويحكي عن تأثير هذا وتجلياته على أصحاب تجربة الزيف التي عادة ما يمر فيها الإنسان، ثم يعرض كيف تبلغ هذه الأزمة مداها داخل النفوس والمجتمعات، وكيف يمكن التخلص منها والتحديات النفسية والنمائية التي تواجه الإنسان على هذا الدرب.
تبدأ أزمة الهوية كما سماها خليل هلسة منذ الطفولة عندما ينشأ الإنسان في بيئة تتجاوز تدريبه على محاكاة الآخرين والانضباط داخل أطر المقبول، إلى تعزيز حالة من الغيرية التي ترسخ في الطفل إنكار رغباته وذاته بدلا من تهذيبها والتعامل معها، فينشأ شخصًا معتمدًا على خارجه في اكتساب القيم والمتع والدعم والتعزيز، وينفصل عن ضميره، ويعجز عن تشكيل صوته الداخلي الخاص.
يبدو الكاتب في تدفق أفكاره مدفوعًا بتجاربه العيادية في العلاج السلوكي؛ فيبدأ فصوله بمشاهد ومواقف مرّت به مع مراجعي العيادة ساردًا ومتفاعلًا ليشير إلى مقاصده في أحداث حقيقية يمر بها كثير منا، فيقرّب الصورة والفكرة، ليجد فيها من مر بالتجربة ما يحاكي نفسه، ويجد فيها من لم يمر بالتجربة ما يقربه من إدراكها والشعور بعلاماتها.
منسجمًا مع فكرته بضرورة الاستماع للصوت الداخلي وعدم الانصياع لكل ما يمليه علينا الخارج يعرض خليل هلسة حلوله بخطاب يخلو من التوجيه والتسلط ويتميز بالإقناع وفتح الأبواب، يضع إشارات وينير دروب ويقترح طرقًا عملية تفيد القارئ الذي يشعر بثقل أقنعته، ويترك له تلك المساحة الواسعة المسماة ذاته ليشكلها ويستمع إليها.
يبدو الكتاب هنا مثل صديق ورفيق مساند لكل من شعر بالغربة والغرابة بينما يحاول إدراك الخلل واستعادة ذاته وبنائها، صديق مشجّع، وفاهم، ومستمع جيد، ومؤاس رقيق، وهو كذلك، كما فكرته، صارم وعنيد في تحقيق أهدافه وتحمّل مسؤوليته، كأي ثوريّ متمرد يحتاج الجدية والالتزام إلى جانب الشجاعة والتبصر والإخلاص.
يستشهد الكاتب بأفكار عدة علماء نفس وفلاسفة وجوديين مثل ألبير كامو وفكرته معنى الوجود والتي تنطلق من سؤال "لماذا لا ننتحر؟"، وفكرة عالم النفس كارل يونغ حول الأنا والظل والتي تقول أن الصراع داخل النفس البشرية ينبع من الفرق بين الأنا التي تمثل ما نظهره للعالم من صورة عنا والظل وهو كل ما ندفنه داخلنا من حقائق، وكذلك يورد المعضلة الموت كما ناقشها عالم النفس إريك فروم، كما يشير إلى تجربة الدكتور فيكتور فرانكل العلاج الوجودي.
تتقسم أفكار الكتاب في ثمانية فصول بين السؤال، وتحديد الخلل، إلى الهدم، وإعادة البناء وهي معنونة كالآتي: من أنا حين لا يراني أحد؟ وقناع على مقاسي، ووهم الحرية حين لا تكون نفسك، وأن تكون كافيًا... دون أن تثبت شيئًا، وعندما يسقط كل شيء، وملامح الوجه الأول، والركام ليس عدوّك، وما وراء القناع.
|