يمتلك الاتجاه الاجتماعي الواقعي في فن القصة الحديث , امكانية مقتدرة في نقد وتعرية الواقع الاجتماعي , يملك اهمية بالغة في تسليط الضوء الكاشف على الجوانب المظلمة , التي تشوه الحياة الواقعية وتحريفها عن جادة الصواب , ومقومات الاساسية للمدينة الديستوبيا هي : الخداع والكذب والنفاق والدجل والاحتيال , لذا نجد النصوص القصصية برعت في إظهار الصورة الكاملة على هذه الجوانب في اسلوب سردي شيق وممتع , ان يقوم الكاتب في دور الناقد الاجتماعي برؤية فكرية ناضجة وملهمة في التعبير والصياغة الفنية , في اظهار وتناول هذه السلبيات وفضحها الى العلن , في طرحها وتناولها , في سبيل خلق وعي اجتماعي وثقافي , واعاً ومدركاً بمفردات هذه الملثميات وزعانفها , في دلالة المعنى والرمز الدال في مدلولاته , وتكتسب القيمة الفكرية بالطرح الشجاع والكاشف , في أهم القضايا الاجتماعية , الظاهرة على المسرح السياسي والاجتماعي والديني , بأن هناك صراع بالغ الضراوة بين قطبي هما عنوان الحياة الاجتماعية وهم : الحقيقة والخداع . والصدق والكذب . النزاهة والسرقة , , والغوص في أغوارها , ربما النصوص السردية هي انعكاس لرواية ( مزرعة الحيوان ) التي تدين إرهاب الدولة وقمعها السياسي والاجتماعي , في اسلوب انتقادي ساخر على لسان الحيوانات , في جوانب تخنق التعبير الحر , وتجعله بضاعة استهلاكية , هنا ينبري بوضوح العمق الفكري , في مواجهة هذه المثالب , التي تضعف قيمة الانسان , كأنه بضاعة مستهلكة يمكن اللعب بها بسهولة في العقلية والثقافة , ومن هذا المنطلق نستشرف بعض النصوص , رغم ان كل نص يحمل عنوان ودلالة بالغة وعميقة
1 - النص : اختبار في مزرعة الحيوان , الجزء الثاني :
على الانسان العاقل ان لا ينخدع بالشعارات المزيفة مهما كان بريقها لانها خاوية المحتوى والمضمون , وانها متاجرة في العقول ومزايدات رخيصة , ويمكن لهذه العقول المنحرفة في خداعها , ان تدفع ثمن حياتها في شعاراتهم الكاذبة , ان يتحكم بها بوعي وعقل حكيم , لان هذه الشعارات , تحاول اغلاق العقل والوعي بشكل تام ( اكتشفت ان على الانسان العاقل ان لا ينجرف وراء الشعارات الرنانة وأن لا يفني حياته من اجل ان يحقق امنيات الآخرين ) .
2 - نص : سرقة ....
مخادعة وتضليل بأظهار نفسه ضحية , في افتعال سرقة وهمية , كما فعل الحلاق سعد , حين صرخ في اهالى محلته بأنه تعرض الى سرقة كبيرة في منزله , في مسرحية مفتعلة ( - لقد تعرضنا الى سرقة ياحاج , سرق اللصوص كل ما خف وزنه وغلاء ثمنه ) اظهار نفسه ضحية لكي يقوم بسرقات بيوت الاخرين , لقد فتشوا في كل شيء , المارة , كاميرات المراقبة السرية , لم يجدوا شيء غريب يدعو إلى الشك , لكنه قام بعد ذلك بالسرقة وضبط بالجرم المشهود , حين ضبطه احد صبيان الدار , بأنه في داخل المنزل رجل سارق , وعرفه من سعاله , وهذه سمة الحلاق المعروف بالسعال الشديد , ثم رآه يسرع بسيارته ويبتعد عن المكان المسروق .
3 - نص : تجارة رخيصة :
تعزف على الشخص المناسب في المكان المناسب ,تؤكد قيمة المسؤولية , ليس هي نزوة أو عبث أو تطفل من اجل سرقة مكانة الآخرين , في بيع جسدها في المتعة الجنسية من أجل الصعود على اكتاف الاخرين . مقارنة بين الممثلة الكبيرة المعروفة على خشبة المسرح , وبين ممثلة خلف الكواليس , لتأخذ دورها لكي تصعد على خشبة المرح , بعد اغراء المخرج في ليلة حمراء , وقبل صعود الممثلة المتطفلة , واجهتها الممثلة الكبيرة بكلام حكيم ( كان عليك أن تتطهري من اردانك قبل ان تصعدي خشبة المسرح , فدور الناسكة يتطلب امرأة تملك العفة والطهارة . وتركتها ومضت )
4 - في المجموعة القصصية تضعنا أمام حالتين متناقضتين بالنسبة الى القدر , القدر الظالم , وعدالة القدر . نعرض الاولى ( القدر الظالم ) : ينطلق السائق باقصى سرعة , لكي يصل الى قريته , وينفذ شحن جهاز الهاتف , وحين وصل الى قريته , خفق قلبه بالصدمة , حين وجد حشد من الناس يتجمعون عند ضفة النهر , بدأ الخوف والقلق والصدمة المفاجأة هزت كيانه ,, حين اخبره الناس بأن زوجته غرقت في النهر ' سقط مغشيا عليه , وبعد ثلاثة ايام طفحت جثة زوجته فوق سطح الماء , ومن أجل التذكير بغرق زوجته , زرع نخلة في موقع الغرق , وبعد عشرة أعوام تعرضت قريته الى فيضان , غرقت البيوت وغمرت نخلته , فجلس يندب حظه العاثر ليقول ( - ايها القدر , كم انت ظالم , لقد ذبحتني مرتين, انا ميت منذ ذلك اليوم الذي خطفت فيه زوجتي , والآن تخطف نخلتي , كم انت ظالم ايها القدر , ألا تعلم بأنه لا يجوز لك ان تذبح الميت مرتين ) .
أما نص : عدالة القدر . دأبت فتاة لعوب على المجيء بحجج واهية الى صاحب المولدة في الحي , مرة التيار الكهربائي ضعيف , ومرة انقطاع التيار الكهربائي , فكان يرطب خواطرها ويعاملها بلطف , وهو لايعلم بأنها تعد له الفخ للإيقاع فيه , وفي احدى الصباحات دخلت عليه كالعادة , ولكن دخلوا مباشرة عليه اقربائها , وعبروا عن غضبهم الشديد وبجدوها في المكان , وهذا مخل بالشرف , وتحت التهديد بالعرف العشائري , اضطر ان يتزوجها وتنجب منه طفلة , وبدأت المشاكل والخصام وطلبت الطلاق , فرضخ لمطلب الطلاق لكن طلبت تسجيل ملكية البيت بأسمها , فكان لها ذلك , وهي تخرج من مديرية التسجيل العقاري , وهي تلوح من بعيد بسند ملكية البيت بأسمها فرحة , وحين عبرت الشارع جاءت سيارة مسرعة فدهستها , وطار سند الملكية في الهواء , مما اجبر اقربائها ان ياخذ طفلته ويرجع معها الى بيته , بعدما فقد سند الملكية .
5 - نص : يا امي ..... سأحفظ وديعتكِ .
وضعهما الاستاذ المؤلف في نصين , احدهما يكمل الاخر , وتدل على السلوك الارهابي للنظام الشمولي , الذي يتلاعب في مصير الناس الى المجهول , دولة الاخ الكبير , أو دولة القائد الضرورة , الام على فراش المرض تنازع لحظاتها الاخيرة , وضعت يدها في يد ابنتها الكبيرة ( كوثر ) متزوجة ودكتورة في الطب , قبل ان تسلم روحها للموت لتقول لها , بأن تحافظ على شقيقها الصغير أحمد , في كلية الطب في المراحل الاخيرة ( - احمد وديعتي عندك , فحافظي على وديعتي , بعد ان قالت هذه العبارة أسلمت الروح وسط بكاء اولادها ) . وفي احدى الايام من عام 1982 وجدت ثلاث سيارات من رجال الأمن يقتحمون بيتها , يجرون شقيقها بعنف , وحاولت ان تستفسر عن سبب الاعتقال , ضربها احد رجال الامن بأخمص بندقيته فوقت مغشية فقدت الوعي ووجهها ينزف من الدماء , والنص الثاني المكمل , عرفت شقيقيها المسجون بعد البحث الطويل , بأنه مسجون في سجن ( ابو غريب ) وساومها ضابط الأمن بالمقايضة المالية , ان تدفع المال , او يعدم وانه محكوم بالاعدام , فوافقت على الصفقة , في إطلاق شقيقها من السجن والاعدام مقابل الدفع المالي , جمعت ما تملك وباعت أملاكها العقارية في سبيل إنقاذ شقيقها , وعند الدفع , وجدت ان رجال الامن , جلبوا إحد المجانين من مستشفى الأمراض العقلية لكي يعدم مكان شقيقها , استهجنت هذا الفعل غير الاخلاقي وقالت : ماذنب هذا الرجل المجنون يعدم , فرد عليها ضابط الامن في أسلوب خشن ( - لا يوجد لدينا الوقت الكافي لتنفيذ خطة بديلة , بموعد تنفيذ حكم الإعدام سيكون بعد يومين ) في حال تنفيذ الاعدام بالمجنون سيطلق سراح شقيقها , وفي اليوم المحدد , ذهبت لكي تستلم شقيقها المطلق سراحه من السجن والاعدام , اخذته في سيارتها وكان نائماً وملفوفاً بقطعة قماش كبيرة , فحين ازاحت قطعة القماش عن وجهه , اصابها الرعب , فكان مشنوقاً وقد تدلت رقبته على كتفه .
6 - نص : سارق الغنم :
هذه احدى مصائب واقعنا الاجتماعي , بيع بطولات وهمية بالمجان , في سوق التهريج بالبطولات المزيفة , وبيعها على مشجعة وأنصاره , وسط حالة من التصفيق الحاد من التشجيع , تجري هذه المهاترات في احدى المقاهي , يسرد عليهم في ابتهاج في مغامراته ومجازفاته , ضد اللصوص وحمى قريته من سرقاتهم , ويقول في احدى بطولاته المزعومة , قبض على زعيم اللصوص ولم يطلق سراحه , إلا بعد إعطائه أربع نساء ليتزوجهن دفعة واحدة , , وهو في حقيقة الأمر هو لص مطرود من قريته , وفي مشاجرة مع أحد الذين يعرفونه تمام المعرفة ' صائحاً به بغضب (- ماذا تفعل أيها المعتوه يا راعي الغنم , هل بلغت الجرأة وتمد يدك علي , يا كاذب انك لم تتزوج ولا مرة واحدة في حياتك , هل نسيت نفسك ؟ لقد كنت راعياً لاغنام أبي في قريتنا , وقد طردك حين اكتشف سرقاتك ) .
7 - نص : مشروع عصري .
هي رمزية بليغة في مقولة ( بأسم الدين باكونا الحرامية ) والنص موجه الى سراق العمامة , وهذا مثال من الكثير من الامثلة من الظواهر البارزة على سطح الواقع , امام الجامع المعروف بـ مواعظه وإرشاداته في مواعظه الخطابية , بعد أنهى موعظته الجلجلوتية , طلب من المصلين التبرع المالي لاقامة مشروع يخدم الناس , لم يحدد نوعية المشروع, وكل واحد يفسر المشروع على طريقته الخاصة , البعض اعتقد بناء جامع حديث وعصري , بدلاً من الجامع القديم , واخرين اعتقدوا بأن المشروع هو بناء مستشفى حديث يخدم الناس ويوفر العلاج ويكون قريب منهم , بدلاً من الذهاب الى مستشفيات العاصمة وعناء التنقل ومشقة المسافة البعيدة , والبعض اعتقد بأن المشروع بناء مدرسة حديثة نموذجية , بدلاً من مدرسة الطين , وبعد سنوات جمعوا تبرعات باموال طائلة وتم تخصيص قطعة أرض واسعة , وبدأ العمل بوتيرة مسرعة , وسط ابتهاج مدير المشروع بالعمل والاسراع في الانجاز , واتضح اخيراً بأن المشروع , عبارة عن اقامة ( مول ) تجاري .
8 - نص : اجتماع .
وهذه ظاهرة فعلية على مسرح السياسي , في الحملات الدعاية الانتخابية للمرشحين , الذين يفتشون بكل الطرق الشيطانية , في سبيل شراء اصوات الناخبين بالاغراءات المادية والعينية , من اجل ضمان فوزهم , مثل ما يتحدث السرد في النص وهي حقيقة ماثلة لا احد ينكرها , في التنافس الانتخابي , مثل هذا المرشح الذي يقرر تقديم وجبتين من الطعام واللحم , بدلاُ ومن وجبة لحم في اليوم, وهذا يتطلب زيادة أعداد الحمير في الحضيرة , من خلال تزويجهم لزيادة عددهم, والحمير تشكو حظها العاثر , فقد جمعت اقتراب الحملات الإنتخابية مع مواسم الأعياد , وهذا يتطلب من أصحاب المطاعم الذين يقدمون الكباب المغشوش , بحاجة الى المزيد من الحمير .
جمعة عبدالله
|