يعد سماحة السيد محمد كلانتر نموذجا هاما للرجل المرجعي، فهو المثال الحقيقي للعالم المثقف الواعي المدرك العاشق لدينه ومذهبه ولمدينته (النجف الأشرف) حبا بأمير المؤمنين عليه السلام، وله مواقف مهمة وبشهادة المؤرخين وأهل النقد والسير الغيرية.
إنه وضع أساسا جديدا للتعلم في مدرسة أهل البيت عليهم السلام في (النجف الأشرف) ليساهم في بناء الإنسان الذي هو ثمرة الدين والأخلاق، فتعد مسيرته حافلة بصور شتى لبناء الهوية ووجودها، فصارت سيرته المترعة مجالا رحبا للباحثين، حتى أنني أرى صعوبة في أن يجد أي باحث شيئا يتفرد به أو يضيفه لكثرة ما دون الكتاب عن سيرته، لهذا قررت أن أكتب في تكوينه الفكري والتحولات المنهجية التي اختطتها في سيرته، لديه بنيان عقائدي رسخته منهجية أهل البيت "عليهم السلام" فوضع في منهاجه التدريسي محاضرة أخلاقية يجمع فيها طلبة جميع المراحل ليرسم لهم معاني الأخلاق في المدارس المختلفة، ثم خصص كتاب الشيخ النراقي في علم الأخلاق بثلاثة أجزاء ليكون مرشدا للطلبة، ومصدرا مهما في بناء سيكولوجيه الإنسان الإصلاحية، فكان الإنسان محور اهتماماته.
(أولا)
كان منذ خطواته العلمية الأولى يحلم في بناء تكوين أكاديمي علمي يرتبط بالمرجعية للوصول إلى العمق المضموني لدروس المرجعية، كان يحلم في بناء جامعة أكاديمية وكانت هذه اللبنات الفكرية لنشأة تربوية القيمة، فقد درس على يد علماء النجف الكبار كالشيخ صدر الدين الباد كوبي وحصل على عدة إجازات علمية في الاجتهاد، وحقق حلمه ببناء وتأسيس جامعة النجف الدينية والتي تعتبر أكبر مدارس النجف الأشرف، تحتوي على مكتبة كبيرة مكونة من طابقين ومسجدا كبيرا، وأصدر مجلد دراسات إسلامية عام 1384 هـ وصدر منها أربعة أعداد واحتجبت
&&
(ثانيا)
ولد السيد محمد كلانتر في (النجف الأشرف) في الحويش في يوم عيد، وفي بيت علم وهدى وتقى وصلاح، أبوه رجل علم ورع، يصطحب ولده إلى الصحن الحيدري الشريف ويدليه على الملكة الفاضلة، والأخلاق العالية، ولذلك كانت أحلام منجزاته هي الأبواب الذهبية لمرقد الإمام علي عليه السلام.
أما والدته فهي كريمة السيد محمود المرعشي، من أحفاد السيد الشهيد المرعشي، كانت تحفظ القران الكريم وكثير من الأحاديث المأثورة عند أهل البيت "عليهم السلام"، وعلمت ولدها السيد كلانتر قراءات وآراء في دعاء كميل، فتنامى حبه جهادا وكانت أحدى إنجازاته تجديد وبناء مرقد كميل بن زياد في عقد السبعينيات، وكانت له زيارات اجتماعية من خلالها يحاول بناء الإنسان ليطلع على حاجات طلاب العلم، ويقوم بسدها بالقدر المستطاع.
&&&
(ثالثا)
تعلم القرآن الكريم عند الملا هاشم، وبعد إكمال أسس ومقدمات السيد في الطريق العلمي، اختار مرحلة المقدمات ليتفوق ومرحلة السطوح، ودرس الفقه والأصول والفلسفة وعلم الكلام والعقيدة والتاريخ، وأهم أساتذته الشيخ ملا صدري البادكوبي، والشيخ كاظم السوداني، والشيخ ذبيح القوجاني، والسيد محمود الحسيني الشاهرودي، وسماحة المرجع عبد الأعلى السبزواري، وكثير من العلماء ومنهم السيد أبو القاسم الخوئي.
&&
(رابعا)
الفارق المهم بين كتاب السير الغيرية للأدباء والفنانين وبين علماء المرجعية المباركة، إن أغلب تلك السير تعتمد على المذكرات، بينما سير المرجعية المباركة تعتمد على التجربة المباشرة، وعلى المنجز العلمي، ومن الملاحظات المهمة في عمل السير الغيرية لعلماء المرجعية كوني صاحبة اختصاص في هذا المجال فأنا لا أحتاج إلى الكثير من عناصر التشويق الفني كون علماء المرجعية يُحملَّون بقوة جاذبية الناس إليهم، كونهم يمثلون موقع القداسة، و يمثلون الهوية والانتماء الفكري لمدرسة أهل البيت "عليهم السلام" ومنجزهم من العلوم النافعة تربويا وعلميا فنا وإبداعا.
من مؤلفاته كتاب البداء عند الشيعة الإمامية/ كتاب دراسات في أصول الفقه أربعة أجزاء/ كتاب التحقيق والتعليق على شرح اللمعة الدمشقية عشرة أجزاء/ التحقيق والتعليق على كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري/ كتاب الإرث/ كتاب الزكاة/ تحقيق وتعليق كتاب جامع السعادات للمولى محمد مهدي النراقي.
&&&
(خامسا)
هناك فارق مهم ومتفرد في كتابة سير المرجعية كونها واضحة وممنهجة فكريا، وموحدة معنويا، بمعنى ليست في حياة الشخصية المرجعية صراعات نفسيه ولا تشابكات الأنا مع الآخر، ولا يوجد صراع وازدواجية ولا اضطراب في الهوية، ولا شعور بالغربة، عالم علماء المرجعية عالم يتوحد فيه الرضا والقبول، وخدمه العلم إلى نهاية الرحلة في الدنيا.
بعد مسيره طويلة فاعلة أجاب السيد كلانتر دعوة ربه الكريم في ليلة الجمعة الثاني من شهر رمضان عام 1420 هـ وهو متوجه إلى صلاة الجماعة، ودفن في المقبرة الخاصة في جامعة النجف الدينية والتي أعدها لنفسه في حياته.
|