من المعروف أن المفردة القرآنية تمتاز بحيويتها، والتكامل البنائي بين الألفاظ، وارتباط تلك المفردة بالقوة التأثيرية لجذب النفوس، كل مفردة من المفردات القرآنية فيها من المعاني الجمالية ما يبهر العقول، وتظهر في سورة التكوير المعاني اللطيفة، جاءت في كتاب أسماء سور القران للدكتورة منيرة محمد الدوسري، تميزت سورة التكوير بهذا الاسم فهو مأخوذ من قوله تعالى ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾
وورد في كتاب خواص القرآن وفوائده للأستاذ ضياء الدين الأعظمي، إنه روي عن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، قال من قرأ هذه السورة أعاذه الله من الفضيحة يوم القيامة حين تنشر صحيفته، ومن قرأها على أرمد العين أبرأه الله بإذنه، وجاء في كتاب بحار الأنوار ص 120 من سره أن ينظر إلي يوم القيامة كأنه رأي العين، فليقرأ ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ والدكتور أسامة محمد سعيد يقول عن هذه السورة المكية أنها تتعلق بالعقيدة، وتقرر حقيقتين، حقيقة ما يوجد في يوم القيامة من أهوال، وتثبت حقيقة أن القرآن الكريم وحي ورسالة منزلة من الله عز، وكل الحقيقتين من لوازم الإيمان والتفت العلامة الشيخ حبيب الكاظمي إلى أن ذكر القيامة جاء في موارد عديدة بصيغة الماضي كقوله تعالى ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ المستقبل الذي يخبر عنه رب العالمين بمثابة الماضي في تحقيق الوقوع، وينظر إلى أن آية ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ﴾ هي مخصصة بأول محاكمات التاريخ يوم القيامة، هو السؤال عن سبب قتل الحسين "عليه السلام" وخيار أصحابه، وهناك سور مختلفة تشير إلى الوأد، سئل الإمام الباقر "عليه السلام" عن معنى الآية فقال (من قتل في مودتنا وولايتنا)
بنيت السورة صوريا عن طريق رموزها واستعاراتها المتحدثة عن قيام الساعة، (وَإذَا) تشويق وترقب وحث وأثارة النفس، ويقول عنها البعض أنها مشترك بين الوقت والشرط، (كورت) بلفظ الماضي فيه وفي أمثاله على تحقق الأمر في المستقبل، المكور إدارة العمامة على الراس، أي يلتف عليها كما تلتف العمامة وتكور على الراس، والشمس مجازا لغويا عن الضوء بمعنى إذا ضوء الشمس كور، بينما في كتاب روح المعاني الآنوسي يرى أن حدوث التغيير للأجرام حقيقة، والتكوير حقيقي وليس من باب المجازات، وبناء على تفسير الرازي يرى أن التكوير دون الكسوف والخسوف، باعتباره بداية التغيير، الشمس مثلا هي رمز النور والضياء والتدفئة، اخبرنا باختلال وضعيتها باللف الحقيقي أو المجازي ذهاب ضوءها، وذهاب النجوم والكواكب السيارة، ترشدنا الآيات إلى اختلال في ثبات الأرض يوم القيامة واستقرارها بترك إرساء تلك الجبال، تبديل النعم الى زواجر، تعجيل الثواب والمسرة والاطمئنان للصالحين، ومزيد كرامة لهم، ومزيد من التبكيت للعصاة.
وبعدما فرغ من إثبات البعث انتقل سبحانه وتعالى بالمتلقي إلى إثبات صدق القرآن الكريم، جاء في جامع البيان لشاكر الحميدان، لما نزلت الآية ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾ ال أبو جهل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم، فينزل الله تعالى ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
والله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، يقسم بالنجوم والكواكب والزمان، إن هذا الكلام ليس من قول البشر، وإنه وحي من الله على لسان رسوله "صلى الله عليه وآله"، واشتملت السورة المباركة على أربعة أساليب، وهي الشرط، والقسم، والاستفهام، والنفي، وكان لها أثر عظيم في النفوس، وتكامل بنائي بين الألفاظ وصل حد الإعجاز.
|