• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مسؤولية الشريك: بين التواطؤ والتحريض في ضوء العدالة الجنائية . .
                          • الكاتب : علي سالم عزيز .

مسؤولية الشريك: بين التواطؤ والتحريض في ضوء العدالة الجنائية .

 تُعدّ المسؤولية الجنائية للشريك في الجريمة موضوعًا محوريًا في القانون الجنائي، فهي تتعلق بمفاهيم دقيقة ومعقدة تمس جوهر العدالة الجنائية، وتتطلب تمييزًا دقيقًا بين مختلف أشكال التواطؤ، وأبرزها التواطؤ والتحريض، فبينما يكون الفاعل الرئيسي هو من يرتكب الفعل الإجرامي مباشرةً، يبقى الشريك شخصًا يُساهم بشكل غير مباشر، دون أن يرتكب الجريمة شخصيًا، ولكن من خلال مشاركته العقلية أو البدنية، يلعب دورًا حاسمًا في وقوعها، ويُعد هذا التمييز بالغ الأهمية في تحديد نطاق المسؤولية ودرجة العقوبة، ويثير تساؤلات جوهرية حول عدالة معاملة الشريك باعتباره الفاعل الرئيسي، لا سيما في ضوء مبدأ العقوبة الشخصية والتمييز بين القصد والتواطؤ.

في القانون الجنائي، يُفهم التحريض على أنه دعوة أو إغراء لشخص آخر لارتكاب جريمة، بقصد المحرض ارتكاب الفعل الإجرامي ووجود علاقة سببية بين التحريض والفعل، تُعتبر جريمة التحريض قائمةً إذا ارتُكبت الجريمة المُحرَّض عليها بالفعل، بعض القوانين، كالقوانين المصرية والفرنسية، تُعتبر المُحرِّض شريكًا أصليًا في الجريمة، ويُعاقَب بنفس عقوبة الفاعل، طالما أن الجريمة نتيجة مباشرة لتحريضه، إلا أن هذا المبدأ لا يخلو من جدل، إذ يرى بعض الفقهاء أنه لا ينبغي دائمًا اعتبار المُحرِّض هو الفاعل، خاصةً إذا كان دوره محدودًا أو ارتكب الجاني الجريمة بدافع مستقل، بعيدًا عن تأثير التحريض.

أما التواطؤ، فغالبًا ما يتعلق بالتعاون أو المساعدة في تنفيذ الجريمة، سواءً من خلال توفير المعلومات أو الأدوات أو الدعم اللوجستي، ويفترض هذا النوع من التواطؤ علم الشريك بنوايا الفاعل ووجود القصد الجنائي عند تقديم هذه المساعدة، تكمن الإشكالية هنا في تقييم خطورة هذا الدور. فهل يُعدّ مجرد تهيئة الظروف مساهمة فعلية في الجريمة، أم أنه يندرج ضمن فئة الأفعال المحايدة التي لا تترتب عليها مسؤولية جنائية؟ على سبيل المثال، هل يُعدّ بيع أداة استُخدمت لاحقًا في ارتكاب جريمة تواطؤًا؟ يختلف الجواب باختلاف نية البائع ومعرفته المسبقة باستخدامها في الفعل الإجرامي، مما يجعل التقدير القضائي عنصرًا أساسيًا في تقييم الموقف القانوني.

وقد أظهرت التطبيقات القضائية تباينًا في التفسير والتقييم. فبعض المحاكم تميل إلى توسيع مفهوم التواطؤ الجنائي لأغراض الردع، مُحمّلةً المتواطئ مسؤوليةً مساويةً لمسؤولية الجاني، بينما تميل محاكم أخرى إلى تقييده لحماية مبدأ الشرعية وضمان العدالة الفردية، يثير هذا التباين تساؤلات حول مدى تحقيق المساواة بين الجناة، لا سيما عندما يُساهم المتواطئ من خلال التحريض اللفظي أو الفعل العرضي، بينما ارتكب الجاني الجريمة بوعي وإرادة كاملين؛ لذلك، تدعو الرؤية الحديثة للعدالة الجنائية إلى مراعاة التناسب بين درجة التواطؤ ودرجة العقوبة، وإلى إعادة النظر في جواز اعتبار المحرض أو الشريك فاعلًا في جميع الأحوال.

من ناحية أخرى، لا تنفصل مسؤولية الشريك عن الركن المعنوي للجريمة، فبدون قصد جنائي واضح، لا يمكن مساءلة الشخص عن مجرد فعل عرضي أو علاقة اجتماعية مع الجاني، وقد أكدت محاكم النقض على ضرورة وجود هذا القصد وإثباته بشكل قاطع، سواء في حالة التحريض أو الاشتراك. علاوة على ذلك، فإن عدم ارتكاب جريمة لا يمنع من مساءلة المحرض في بعض الحالات، شريطة توافر عناصر الشروع، وهذا يُظهر المرونة القانونية لحماية المجتمع دون المساس بمبدأ افتراض البراءة.

وفي نهاية المطاف، تظل مسؤولية الشريك في الجريمة خاضعة لمبدأ التوازن بين تحقيق الردع العام من جهة وضمان العدالة الفردية من جهة أخرى، فالمساواة بين الشريك والجاني لا تكون عادلة دائمًا إلا إذا أُخذت في الاعتبار درجة المشاركة ودوافع المشاركة وحدود النفوذ، ومن ثم فإن تطوير النظرية القانونية للاشتراك في الجريمة ووضع معايير دقيقة للتمييز بين التحريض والاشتراك يمثل خطوة أساسية نحو عدالة جنائية أكثر عدالة وتوازناً، تأخذ في الاعتبار الفروق الدقيقة بين الأدوار والنوايا وتمنع النظام القانوني من الانزلاق إلى عقوبات غير متناسبة مع الفعل والمشاركة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=207687
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 12