• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ربع قرن من الكذب.. 11 ايلول وقرائن المؤامرة .
                          • الكاتب : جاسم محمدعلي المعموري .

ربع قرن من الكذب.. 11 ايلول وقرائن المؤامرة

 لم يكن ذلك اليوم مجرد حدث إرهابي, ولم يكن عابرًا حين اخترقت الطائرات اعالي البنايات واخترقت اخبارها صدور العالم, بل كان لحظة فارقة في تاريخ العالم, أقرب إلى القيامة السياسية حيث قامت بعدها منظومات وسقطت أخرى وتبدلت خرائط وأعيد ترتيب الأولويات في الغرف المظلمة, من حيث لا نرى شيئا ولا نكتشف سرا, ولم تكن الحادثة لحظة ولدت من غضب أو من نزعة حقد, بل كانت تجسيدًا لخطط سابقة نُسجت بخيوط المخابرات, وأُحيطت بسريّة تامة , واشتغلت عليها عقول تعرف كيف تحرك مشاعر الغضب دون أن يراها أحد, ولست من المؤمنين بنظرية المؤامرة, ولكن القرائن تقول شيئا اخر..شيئا مخيفا.. شيئا خبيثا رسمته ايدي الشياطين..
حين نقول إن العالم قد تغيّر بعد 11 ايلول فإننا لا نبالغ, بل نعترف بحقيقة واضحة وهي أن كل الزوايا قد أُعيد قياسها, وأننا لم نعد ننظرمن النافذة نفسها, حين تحول الإنسان في ذلك اليوم من مجرد كائن يبحث عن الحقايق, إلى كائن يُعاد تشكيله تحت مسمى الأمن والخوف والإرهاب. كانت تلك اللحظة.. لحظة الانفجار في قلب نيويورك هي الطلقة الأولى في حروب طويلة, لكن الرصاصة لم تخرج من بندقية إرهابي يعيش في كهف من كهوف افغانستان, بل من بندقية صنعها العالم المتحضر نفسه ,وسلمها لمن يريد أن يستخدمها ثم عاد ليتبرأ من النتيجة.
أسامة بن لادن الذي يقدمونه في الخطاب الغربي كشيطان مطلق,وهو كذلك وربما اكثر, لم يكن ذلك الكائن الخارج من ظلام الجبال فقط, بل كان امتدادًا لتاريخ طويل من العلاقات المعقدة والتواطؤات المتشابكة والأجندات التي تتقاطع وتتعارض وتتحالف وتتقاتل ثم تلتقي من جديد, بن لادن ليس نتاجا لبيئة صحراوية غارقة في الطائفية فحسب, بل هو نتاج تدريب وتمويل وتسليح وتوظيف مخابراتي بامتياز.. لم يكن يخطو دون أن تراقبه أعين وتوجهه أخرى, وحين صرح بأنه عرض خطته على المخابرات السعودية لتحرير الكويت من غزو صدام, فإنما كان يعلن – ربما من حيث لا يدري – عن عمق صلاته بتلك الأجهزة، ويُقر بأنه ليس مقاتلا مستقلا، بل لاعبا في حلبة اكبر منه.
السؤال الذي يتكرر بلا إجابة مقنعة هو من أين أتى بكل تلك القدرة؟ هل كان يملك حقا من التنظيم والسلاح والتمويل ما يمكنه من تحرير الكويت؟ وإن لم يكن يملك, فهل كانت المخابرات تعرف أنه يكذب؟ وإن كان صادقا, فهل كانوا يخشونه؟ ام انه صنيعتهم , ام انه كان يؤدي دوره في مسرحية تتقاطع فيها الأهداف, وتُدار بذكاء من وراء الستار؟ تلك العبارة وحدها تفتح أبوابا لا تغلق من الأسئلة المحيرة, من يحرك من؟ ومن يختار من؟ ومن يتخلص من من في اللحظة المناسبة؟
لقد كان الغرب – وعلى راسه امريكا – الداعم الاول لما يسمى الجهاد الافغاني, وكان بن لادن أحد أولئك (المجاهدين) الذين اعتُبروا ابطالا حين كانت البنادق موجهة إلى صدور السوفييت, وحين انتهت المهمة كما تنتهي ادوار الممثلين وبعد نهاية المسرحية يبدأ الانقلاب, لكنه لم يكن انقلابا كاملا, كان هناك دوما خيط خفي, يُبقي التواصل قائما, ويُبقي الباب مواربا, لأن النهاية لم تكن قد كُتبت بعد, وإذا كان الغرب قد دعم (المجاهدين) بالأموال والسلاح والإعلام, فماذا كان يتوقع أن يولد من رحم تلك النيران؟ ملاك سلام مثلا؟ أم شبح للجريمة وماكنة للقتل لا تموت؟
إن بن لادن لم يكن يحارب أمريكا كما كان يدّعي , بل كان يختار أعداءه من بين المسلمين أولًا, وبدقة بالغة.. الشيعة منهم خصوصًا, في العراق.. في إيران.. في أفغانستان.. في باكستان ..في لبنان وفي كل مكان كان يوجه نيرانه إلى صدر المختلف, وكأن قضيته لم تكن مقاومة الاستعماركما يزعم , بل مقاومة الوعي, ومقاومة التعدد ومقاومة الحياة.. وهل يمكن لمخلوق يعيش على الكراهية أن يكون حرا في قراره؟ أم انه مسلوب الإرادة, مأجور الافعال, ويظن أنه يحارب الطاغوت وهو في الحقيقة يحرس أبوابه؟
المسرحية لم تنته بعد, لأن الرجل الذي أقام الدنيا بعمليته الكبرى, عاش بعدها في باكستان – دولة حليفة للولايات المتحدة – لسنوات على مرمى حجر من عيون المخابرات في منزل مكشوف, دون أن يقترب منه أحد.. أيمكن لعقل أن يصدق هذا السيناريو إلا إذا كان مُخدرًا بالرواية الرسمية؟ ثم جاءت النهاية (الهوليودية) بمقتله المفاجئ, ثم اختفاء جثته ثم رميها في البحر, وكأنها عبء ثقيل لا يريد أحد أن يتحمله, لكن البحر لا يُخفي الجثث إنه فقط يغسلها من الأدلةلشدة ملوحته.
لماذا لم يعرضوا الجثة على شاشات التلفاز وصورتها في العناوين العريضة للصحف ؟ لماذا لم يُحللوا الحمض النووي؟ لماذا لم يقدموا صورة واحدة؟ أهي مصادفة أن يغيب الجسد كما غاب العقل؟ أم أن بن لادن الذي زعموا موته لم يمت, بل فقط تغيّر اسمه وانتقل إلى موقع آخر, يؤدي دورا جديدا في مسرحية لم تنته بعد؟ كم من الشخصيات في التاريخ اعتقدنا أنها ماتت, وهي فقط خرجت من المشهد انتظارا لدور آخرجديد؟ هذه اسألة محقة لكنها ستبقى دون اجابة..
الفكر الناضج لا يسلم بسهولة للرواية الرسمية بل يتساءل, لماذا الآن؟ ومن المستفيد؟ وكيف تم التمهيد؟ وإذا كان أسامة هو الممثل المجرم، فمن هو الكاتب؟ من هو المخرج؟ من هو الممول؟ من هو الحامي؟ إن العالم بعد 11 ايلول لم يصبح اكثر أمانا, بل أكثر خوفا واكثر تجسسا، وأكثر تطرفا, لأن الحادثة لم تكن مجرد هجوم, بل كانت إعلانا عن ميلاد عالم جديد لا تسوده القيم, بل تهيمن عليه المصالح.
لا يمكن أن يكون بن لادن مجرما كاملا دون أن يكون هناك شريك كامل, ولا يمكن أن يكون قد اختفى دون مساعدة, ولا يمكن أن تكون كل تلك المصادفات عبثا, ربما لم يمت, وربما يعيش في مكانٍ لا يخطر على بال, وربما موته نفسه كان أداة كما كانت حياته, لأنه حين يُصبح الإنسان أداة في يد قوى أكبر فإن حياته ومماته كلاهما ليس لهما قيمة إلا بقدر ما يخدمان القصة الأكبر.
وها نحن نقترب من ذكرى ذلك اليوم المشؤوم ليس لنبكي على الضحايا فقط, بل لنتأمل كيف يمكن للحقيقة أن تُخنق تحت ركام الدخان, وكيف يمكن للتاريخ أن يُكتب بالحبر السري, وتُمحى فصوله قبل أن تُقرأ.. إن أسوأ ما في تلك الحادثة ليس الدماء فقط, بل هوالكذب, وليس الدمارفقط, وانما التوظيف, وليس العدو فقطوانما من جعله عدوا, ثم تبرأ منه حين انتهت الحاجة.. في زمن كهذا يكون الشاهد على الاحداث ليس كالمؤرخ الذي ياتي الى المسرح متاخرا, فهو يسأل عن معنى الاحداث , اما المؤرخ فيكتبها على علاتها, فإن فعل فهذا انصاف لحقيقة الوقائع التاريخية على اقل تقدير, ولكن انى لنا بمن يكتب الاحداث كما وقعت؟! 
 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=207681
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 12