كنت أتابع ليلة أمس حديثًا للزميل هادي جلو مرعي، رئيس مرصد الحريات الصحفية، وهو يتناول موضوع "البهتان في صحافة الشيطان"، واصفًا به الاتهامات الباطلة التي تفتقد إلى الدليل، وتسوِّقها أطراف وكتل سياسية بقصد إسقاط خصومها أو التنكيل بهم في العملية الانتخابية. وهو أيضًا توصيف ساخر أو هجومي يُطلق على الإعلام المأجور أو المنحرف الذي يضلّل الرأي العام، ويعمل على نشر الأكاذيب والتحريض بدلًا من كشف الحقيقة.
إنه نقد لاذع لوسائل إعلامية تتبنى منهج التضليل والافتراء، في مقابل الصحافة الحرة والشريفة. فمنذ أن وُجد الإعلام بوصفه أداةً لنقل الخبر وصناعة الرأي العام، ظلّت هناك حدود دقيقة تفصل بين الحقيقة والبهتان، بين الصحافة التي تُنير الطريق للناس، وتلك التي تُغرقهم في ظلمات التضليل.
ان البهتان ليس مجرد خطأ مهني أو زلة قلم، بل هو جريمة أخلاقية كبرى، إذ يعني الافتراء على الأبرياء وصناعة الأكاذيب وتقديمها في ثوب الحقائق. أما صحافة الشيطان، فهي الوصف الذي يليق بكل وسيلة إعلامية قرّرت أن تكون بوقًا للباطل، ومظلّة للفساد، وسلاحًا مسلّطًا على ضمير الأمة.
ففي عالم اليوم، نرى نماذج من الإعلام الموجَّه الذي يُحوّل الضحية إلى جلّاد، والجلّاد إلى بطل قومي. صحافة تحترف فنون التشويه، وتستبدل المعايير: تُبرّر الاحتلال، وتُجمّل الاستبداد، وتُسخّر أقلام كتّابها لمهاجمة كل صوت حر. صدقا هذه ليست صحافة بالمعنى النبيل للكلمة، بل مصانع للوهم وورش لتزوير الوعي.
ان الخطر الاكبر في البهتان حينما يُستخدم سلاحًا في الصراعات السياسية والاجتماعية. فبدل أن تكون الصحافة مرآة صافية تعكس الحقيقة، تتحول إلى أداة اغتيال معنوي، تقتل السمعة، وتُشعل الفتن، وتُزيّف التاريخ. وبهذا تصبح صحافة الشيطان أخطر من جيوش مدججة بالسلاح، لأنها تفتك بالعقول والقلوب قبل أن تفتك بالأجساد.
في المقابل، تبقى الصحافة الحرة هي الحصن الأخير للمجتمع، تحرس الحقيقة من التزوير، وتفضح الفساد مهما كان جبروته. فالصحفي الشريف لا يبيع قلمه ولا يصافح الشيطان، بل يختار أن يقف مع الناس، مع الضحايا، مع المظلومين. فالمعادلة واضحة: إمّا أن تكون صحفيًا للإنسان، أو أن تسقط في وحل الشيطان.
إن "البهتان في صحافة الشيطان" ليس مجرد عبارة، بل تحذير من خطر داهم يهدد المجتمعات إذا تُرك الإعلام بلا ضوابط مهنية وأخلاقية. فكما أن الكلمة الصادقة تصنع أمة، فإن الكلمة المضللة قد تهدم حضارة.
|