• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فاعلية الذات وتحصين النفس من اليأس (1) .
                          • الكاتب : زينب ال سيف .

فاعلية الذات وتحصين النفس من اليأس (1)

"وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" البقرة - 30 
خلقَ الله الإنسانَ وميّزه بخَلقته عن باقي المخلوقات، ومن جملة تكريمه له أن عيّنه خليفةً على الأرض
وممّا هيّأ له أن جعل له العقل والقلب والحواسّ، ووهب له حريّته واختياره، كما سخّر له السبُل والأسباب الكونيّة، فمضَى يجوب البراري والبحار مستكشفًا أسرار الخليقة بحواسه؛ ثمّ ارتقى بعقله فوق حدود الظّواهر فابتكر وألّف وصنع وأبدع.
وكان هذا هو هدف وجوده وتكوينه؛ أي أنّ الله أراد له أن يكون فاعلًا عاملًا. 
يقول الله سبحانه وتعالى: "وقُل اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" التوبة - 105

•فمن هو الإنسان العامل الفاعل؟
إنّ العمل ما هو إلا نتيجة لسلسلة من التفاعلات الكيميائية العقليّة والانفعاليّة النّفسية التي تتضافر لتحفّز أفعالًا عمليّة وواقعية.
ولكي نضمن سلامة النتائج، لا بدّ أن نضمن سلامة المقدّمات، ولذلك فلا بدّ للإنسان الفاعل السويّ أن يمرّ عبر ثلاث مراحل:
الأولى/ الوعي الفكري والنّفساني 
فالوعي الفكري هو الوعي بالهدف الأكبر لوجود الإنسان؛ فالإنسان -كما أسلفنا- ما خُلِقَ إلا لخلافة الأرض وعمارتها، كما أنّه خُلِقَ ليرتقي سلّم الكمال.
يقول الإمام علي "سلام الله عليه": (رحم الله امرئ علم من أين وفي أين وإلى أين)
وهنا يطرح الإمام ثلاثة أسئلة مفصليّة؛ لتكون دليلًا ومنارًا للإنسان في مسيرته التكاملية، فهو ينبّه العقل على التفكر في أصل وجود الإنسان وما هو جوهر حركته ومنتهاه، وتسمّى هذه الرؤية الكونية. 

أمّا الوعي النفساني فهو الوعي بإمكانيّات الذات وقدراتها؛ فإنّ الإنسان ما وهِبَ هذه المسؤولية العظيمة إلا بعدما جُهّزَ بما يلزم من أدوات نفسيّة وعقلية وجسدية ليحملها، وتميّز كل فرد عن مثيله بصفات وقابليّات مختلفة، وذلك من حكمة رب العالمين.
 يقول النبيّ الأكرم "صلى الله عليه وآله": (اعملوا فكلٌّ ميسّر لما خُلِقَ له). 
وهنا نكتة لطيفة، فهناك قاعدة فلسفيّة مفادها أنّ العطش يدلّ على وجود الماء، وفي المقابل فإنّ القدرات والمواهب الكامنة في الإنسان تدلّ على وجود موضوعها الخارجيّ، أي وجود ما تُستثمر فيه.

الثانية/ بناء الذات 
جعَل الله جهاد الإنسان الأكبر في تهذيب نفسه، والسّعي في تنميتها وصلاحها.
فالشجرة لا تُنتج الثمار ولا تنمو إلا بتشذيبها 
وما يهمّنا هو أن يكون الإنسان الفاعل سويًّا؛ وذلك ليستمرّ عطاؤه وينمو نموًّا صالحًا.

الثالثة/ الإنتاج والعمل
حين يصبح الإنسان على بيّنة وبصيرة من أمره، سيكون قادرًا على تحديد مسؤولياته والسّعي في استثمار قدراته وتوجيهها
وقد خلقَ الله الإنسان بعقل وإرادة وقُدرة؛ ليستخدم عقله للتخطيط، وإرادته للتصميم، وقدرته للإنجاز.
ولكنّ هذه الموارد الثلاثة قد تُصاب بالعَطَب إذا كان هناك خلَل في إحدى المراحل السابقة، فيُصاب المرء باليأس نتيجةً لذلك
وهنا سنفصّل في جملة من الأسباب والمُعيقات النفسية 

•يُصاب الإنسان بالإحباط واليأس عند عدم قدرته على تحقيق توقّعاته؛ ويفقد نتيجةً لذلك القدرة على التفكير السليم بسبب طغيان المشاعر السلبية.
وذلك لعدّة عوامل:
الأول/ تضخيم إمكانيّات الذات
الطموح من الأمور المستحسنة، وهو يدلّ على تقدير عالٍ للنفس، بيد أنّه سلاحٌ ذو حدّين
عندما يُسيء الإنسان توجيهه، فإنه يصبح عالةً عليه، ومثبّطًا لقدراته؛ أحيانًا يضع الإنسان أهدافًا لا تتناسب والمدة الزمنية المحددة والإمكانيّات المتوفرة، أو يتعذّر تحقيقها في ظل الظروف الحالية، وهنا يصطدم بالواقع الذي يسير وفق قوانين دقيقة لا يشذّ عنها ولا يتخلف

الثاني/ تقليل إمكانيّات الذات
فمن يؤطّر نفسه بتوقعاته دون أن يخوض التجارب ويختبر إمكانيّاته، أو ذاك الذي يعتقد بانحصار قيمته في تجاربه الفاشلة، إنّما هو ظالمٌ لنفسه، جاهلٌ بقدراتها، مقصّرٌ في حقّها.

الثالث/ النظرة القاصرة لتحدّيات الحياة
إنّ من يضع توقعات غير واقعيّة للحياة، ويبني تصوّرًا مثاليًا؛ فإنّه سينهار عند أصغر العقبات ظنًّا منه أنها حدث غير طبيعي يهدّد حياته، وكذلك فالذي يُبالغ في نظرته التشاؤمية ويظنّ أنّ الحياة مليئة بالمشاكل والمنغّصات؛ فلن يهزّ ساكنًا وهو يترقّب حدوث هذه الظروف.

الرابع/ العادات والسلوكيّات المثبّطة 
يقول الإمام علي "سلام الله عليه": (العادات قاهرات)
فمن تعوّدت نفسه على سرعة الاستسلام وإلقاء اللوم على الظروف تسهيلًا وتبريرًا لاستسلامه؛ سيستصعب الوقوف ومواجهة العقبات ولو كان الحلّ أمام عينيه.
الخامس/ وهو يتكوّن من ثلاث مكونات متداخلة في جوهرها: الانتقاد المستمرّ- وعدم الرضا عن الذات- السعي للمثاليّة- حبّ السيطرة.
إنّ السعي للمثاليّة ليس مبدأً قائمًا بذاته كما يعتقد الكثير؛ وإنّما هو نتاج لمشاعر وأفكار تخزّنت في عقلنا الباطن، من قبيل: القلق من الفشل، الخوف من فقدان السيطرة، الحذر من تلقّي أي انتقادات سلبية، أو أحكام من الآخرين.
لذلك فهو مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بالانتقاد المستمرّ ولوم الذات، وصعوبة الرضا عن إنجازاتها
وتوهّم الإنسان بإمكان سيطرته نابع من جهله بحدود دائرة تحكمه؛ مما يؤدي إلى التعثّر باليأس الذي يُثقل النفس نتيجة عدم وجود معايير واقعية. 

السادس/ الاستغراق في المشكلة
إنّ طغيان المشاعر السلبيّة يجعل العقل مشتّتًا ومغلوبًا عليه تحت تأثيرها القويّ والمخدّر للقوى العقلية؛ فعدم وضع حدٍّ لدوّامة الأفكار والمشاعر الهدّامة لا يصل بنا إلى بر الأمان، ولا يزيدنا الاستغراق في جوانب المشكلة وتفصيلاتها إلا بُعدًا وتيهًا، كمثل ركوب قطارٍ سريع لا يملك أيّ كابح.

•أمّا وقد استوفينا بعضًا من أسباب نفاذ اليأس إلى النفس؛ أصبح لزامًا علينا أن نعرّج على ذكر جملة من الحلول والمقترحات الوقائية، وهذا ما سنتطرّق له في الجزئين اللاحقين من مقالتنا بإذن الله.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=207667
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 12