• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الالهام في النهضة الحسينية .
                          • الكاتب : خيري القروي .

الالهام في النهضة الحسينية

 أسئلة كثيرة تراود في رأس من يريد أن يقرأ واقعة كربلاء بعمق؟
 يكتب البعض أن السبب الرئيسي في قضية أخذ البيعة وامتناع الإمام "عليه السلام" عن هذه البيعة، وهناك من يؤسس لدعوة أهل الكوفة، باعتبارها عاملا مهما من عوامل النهضة، نحن نريد أن نقرأ شيئا جديدا له تفسير واقعي يواكب ذهنية الإمام المعصوم "عليه السلام"، تدخل السياسة القبلية في شؤون الإرادة الإلهية، اليوم وبعد قرون يظهر بعض وعاظ السلاطين يفتون بعدم شرعية النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" في تنصيب خليفة، وإنما الخلافة للناس وهم من يختارون حكامهم عبر السقائف وتحت مظلات العروش، ليست مبالغة بل أنها فتاوي وأحكام معلنة، أمام هذه الجلبة، معاوية تعهد بمواثيق الهدنة مع الإمام الحسن "عليه السلام" بأن عليه أن يفسح المجال للمسلمين بانتخاب الحاكم الذي يرغبون به، انتخاب خليفة للمسلمين، انقسم المسلمون إلى قسمين قسم يؤمن بأن الخلافة تعيين الرسالة وبأمر الله تعالى عن طريق النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، وقسم يقول الخلافة لا تأتي إلا من خلال انتخاب الناس، ولاية العهد لم تكن مطروقة بعد، ليس من حق الخليفة فرض ولي العهد بالقوة، فهو خالف الصوبين لا هو مع هؤلاء الذين يؤمنون بأن الخليفة تعيين من الله، ولا مع من يتركها للانتخاب، معاوية منذ اليوم الأول أراد أن يجعلها سلطنة، ويعرف أن الأمر يحتاج إلى القوة والعنف، المؤرخون يكتبون فكرة ولي العهد استوحاها معاوية من المغيرة بن شعبة الرجل الذي كان يبحث عن تأمين ولاية الكوفة لنفسه، وأعيد المغيرة إلى عرشه، أهل الكوفة والمدينة لم يقبلوا بالفكرة، أين أهل انتخاب الحكم بأمر الشعب؟ ها هو الشعب يرفض.
قلنا نحن نبحث عن قراءة جديدة والجديد ليس شرطا أن يبتكر لطلب الإقناع، لكن البحث في مخفيات الأمور، لنسأل ما هو مشروع معاوية السياسي الذي أعلن عنه في المدينة حين دعا وجهاء المدينة ليحاورهم؟
الوجهاء الذين يمثلون الناس بمختلف انتماءاتهم المذهبية، قدم فكرة مستنبطة من عوالم المكر والخديعة واللين المصطنع، أولا جمع الوجهاء وطلب منهم موافقة على مبايعة يزيد للحكم والخلافة كعمل ظاهري روتيني طرح ما يدعيه فكرة المصلحة الإسلامية، أي أن مبايعة يزيد للحكم عمل ظاهري فقط يحافظ على شكل الدولة، وأن يشكَّل مجلسٌ للحكم ،هو المجلس الحقيقي الإداري والفعلي حسب ادعاءه، يكون بيد الوجهاء الثلاثة الذين اختارهم معاوية من أجل المحافظة كما يتصور على وحدة المسلمين، مجلس الحكم المقترح بيد ثلاثة أعضاء هم الحسين بن علي "عليه السلام" وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر، لكن معاوية فشل ولم يستطع أن يقنعهم بفكرة مبايعة يزيد، وحين لم يجد قبولا، أشاع أن المجلس وافق، وأن الوجهاء قبلوا بفكرة البيعة، وأشيع أيضا وصية معاوية لابنه من يقوم بمعاملة الحسين معاملة خاصة وطلب من معاملته بالرفق واللين، هذه من ضمن إشاعات وعاظ السلاطين، يراها بعض المؤرخين قضية مهمة ومن الممكن أن يطلب معاوية من يزيد مثل هذا الطلب، لأنه رجل سياسة يدرك أن قتل الحسين "عليه السلام" يعني سلب الخلافة من بني أمية، وكان معاوية صاحب قراءات سياسية يعرف كيف يتلاعب بالسياسة، وأين يهدأ وأين يثور، يكذب، يسوف ويماطل، ويزور، ويكوّن جيشا من الإعلاميين، بينما يزيد شاب مغرور، رجل إمارة مدلل، فإذا فعلا تحقق أن معاوية أوصى مثل هذه الوصية لابنه بمعامله الحسين "عليه السلام" فهو كان يخاف على يزيد من عاقبة قتل الحسين "عليه السلام"، القضية المهمة التي ركز عليها المؤرخون ليس من باب العاطفة أو الإنشاء، وإنما هي حقيقة يدركها كل عاقل بأن الحسين "عليه السلام" قتل في طف كربلاء، لكنه حقق أهدافه المعنوية، وأدرك غاياته العرفانية و آل أبي سفيان لم يحققوا أهدافهم بأي شكل من الأشكال، ولهذا أرسل يزيد إلى حاكم المدينة طلب منه أخذ البيعة قسرا، وأن يقتل الحسين في حال رفض البيعة، وأن يبعث براس الحسين "عليه السلام" إلى الشام.
البيعة ليزيد كانت تعني إضفاء الشرعية على الخلافة الوراثية، علينا أن نفكر بعمق القضية المعروضة، هي ليست قضية يزيد كفرد، بل يعني الموافقة على مبدأ الخلافة بالوراثة، والقضية الثانية أن يزيد كان يتظاهر بالفسق، ويجهر بفساده، ويفخر بفجوره، وهو بلا علم ولا فهم ولا معرفة بأبجدية السياسة، الخلفاء كانوا يدركون أن عدم وجود الإسلام يعني عدم وجودهم، وكان اتباع الخلافة في كل بلدان العالم ومن قوميات مختلفة يتبعون لحكومة الإسلام، والحكم باسم القران، وخليفتها خليفة رسول الله "صلى الله عليه وآله" فلو اكتشف العالم أن الخليفة مناهض للإسلام أول عمل يقومون به هو استقلالهم عن المركز، الحكام كانوا يدركون أن المفروض بهم مراعاة مصالح الإسلام، لكن يزيد لم يكن لديه هذا الفهم، يزيد كان وجوده يمثل حربا على الإسلام وعدم المبايعة عند أهل العرش يعني أن الحسين قرر الوقوف في وجه الحاكم، العمق الذي نبحث عنه هو قراءة الحسين "عليه السلام" لهذه البيعة ولنوايا الحكام لطلب البيعة، إذاعة الحسين "عليه السلام" البيعة لم تكن هناك عوائق بين الطرفين ستنتهي القضية تماما.
بالعكس سيكون الحسين من المقربين إلى الدولة، حاله حال ابن عمر في قربه للسلطة وكلمته النافذة عند خدمة العرش الأموي، وإذا لم يبايع فتلك مسألة أخرى.
 قراءة الحسين عليه السلام لمقابلة الوالي إنهم يريدون البيعة، هو طبعا يعرف هم لا يريدون البيعة من أجل الله سبحانه وتعالى، لأن العرش الأموي كله لا علاقة له بالموقف الشرعي، والولاة تهمهم مناصبهم الحكومية، ولا تهمهم شرعية الخلافة أو عدم شرعيتها والمبايعة لهذا المعنى لإقناع الناس، وإذا بايع الحسين عليه السلام سيبايع الناس، لهذا حين واجههم بهذه القراءة أقر الحاكم له بذلك، فاحتج عليهم الإمام أن لا فائدة من البيعة بهذه الحجرة المغلقة، حيث لا أحد يشهد المبايعة سوى نحن الثلاثة، وافق الحاكم لكن مروان بن الحكم هو الآخر لديه قراءته الخاصة، لذلك حذر حاكم المدينة من عاقبة خروج الحسين دون مبايعة، يعني أنه سوف لن يبايع، ولذا ينبغي تنفيذ تعليمات الخليفة فأجابه الإمام "عليه السلام" إنك أصغر من هذا.
ولدينا قراءة أخرى أهم من جميع القراءات هي قراءة النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" للأحداث، رؤية النبي في شرع الحسين "سلام الله عليه" وشرعنا كمسلمين وتفكيرنا، إنها قراءة للأحداث والإلهام الرباني القادم من رؤية النبي، وهو يأمره بالخروج من المدينة، هذه قراءة أخرى لا بد أن تدخل من ضمن قراءات الواقعة.. الإلهام.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=207655
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 11