كثير من قراء هذا المقال سيروق لهم عنوانه نظرا لما يحمله من دلالة تنم عن رؤية خاصة في التعامل مع فني الفيزياء والهندسة؛ لأنه يجمع بين فكرتين أساسيتين هما؛ الطاقة الأخلاقية: وهي عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ السامية التي جاءت بها الرسالة المحمدية والتي دعت إلى منظومة أخلاقية متكاملة، حولت الأفراد من حالة الفوضى والضياع إلى حالة من الانضباط والهدف. كما أنها حولت مجتمعًا يعيش على النزاعات والحروب إلى أمة واحدة متماسكة وموحدة. أما القوة الدافعة: وهي الأثر والزخم الذي أحدثته هذه الرسالة المباركة في الأفراد والمجتمعات ودفعتها إلى الانتشار والنجاح، وأن هذه القوة استمرت في تشكيل الحضارة الإسلامية على مر العصور، إذ كان العلم، والفن، والعمارة، والتشريع كلها مستمدة من هذه القيم الأخلاقية الأساسية.
وكما يعلم الجميع فأن رسالة النبي محمد (صلى الله عليه واله) التي جاء بها تعد نظامًا متكاملاً شاملاً كل الأبعاد الإنسانية والحياتية كالأخلاقية والاجتماعية والتنموية والاقتصادية، والتي يمكن تحليلها بمنظور هندسي وفيزيائي على وجه الخصوص، فإنها هدفها ليس فقط إيجاد أخلاق جديدة من العدم، وإنما كان لتثبيت وتكميل الفطرة الإنسانية السليمة التي تدعو إلى الخير والفضيلة. ولو نظرنا إلى الأخلاق كشكل من أشكال الطاقة، نجد أن الرسالة المحمدية قد أسست لمبادئ تُشكل قوة دافعة (Motive Force) قادرة على تحريك المجتمعات وتوجيهها نحو التنمية والازدهار.
رسول الله (صلى الله عليه واله) قدوة في كل تصرفاته وأفعاله، مجسداً القيم والمبادئ التي دعا إليها في حياته اليومية، مما جعل من رسالته نموذجًا صالحًا للتطبيق في كل زمان ومكان، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض".
وقال (صلى الله عليه وآله): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، هذه المقولة الجامعة لخصت جوهر رسالته السامية، تُقدم مبدأً فيزيائياً يُشبه قانونًا للطاقة، فالأخلاق هنا هي القوة الدافعة الأساسية التي تُحرّك النظام الاجتماعي، وقد رسخ النبي مبدأ الاحترام المتبادل بين الأفراد، بغض النظر عن عقائدهم. فعندما قام لجنازة يهودي، أكّد على أن "أليست نفسًا؟"، وهو ما يُعبّر عن قانون عالمي للطاقة الإنسانية: احترام الكيان البشري يُولّد قوة إيجابية تُعزّز التماسك الاجتماعي، وتُقلّل من احتكاكات الكراهية والصراع التي تُبدّد الطاقة.
ومن جانب آخر تُظهر تعاليم النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فهمًا عميقًا لفيزياء النظم البيئية والاجتماعية، ففي الجانب الاجتماعي، أسس نظاماً يعتمد على العدل والمساواة، حيث تُوزّع الطاقة الاجتماعية بشكل عادل، مما يمنع تراكمها في طبقة معينة، ويضمن استمرار تدفقها لتحقيق التنمية الديناميكية. وفي الجانب البيئي، يُمكن اعتبار وصاياه للحفاظ على الموارد الطبيعية كقوانين للديناميكا الحرارية في البيئة، فوصيته "ما من مسلم يغرس غرسًا... إلا كان له به صدقة" أليست تشجع على الزراعة، وهي دعوة إلى استثمار الطاقة بشكل مستدام لضمان استمرارها للأجيال القادمة.
كما واجه النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الكثير من التحديات، لكنه لم يُبدّد طاقته في ردود أفعال سلبية، فبدلاً من ذلك، حوّل طاقة العداوات إلى قوة دافعة للنمو الأخلاقي، عندما أُوذِي في الطائف، لم يُقابل الأذى بأذى، بل دعا لهم بالهداية. هذا التصرف يُشبه قانونًا هندسياً: "عندما تواجه قوة سلبية، فإن أفضل طريقة لتجنب الانهيار هي تحويلها إلى طاقة إيجابية"، وهذا المنهج يوضح أن الأخلاق ليست حالة سكون، بل هي قوة ديناميكية تُقاوم التآكل وتُعزّز الصلابة، وبهذا يظل إرث النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مصدرًا لا ينضب للطاقة الإيجابية، القادرة على إحداث التغيير وبناء حضارة تقوم على قيم العدل والرحمة.
|