من قال : ان هوية الاغلبية العراقية الأصيلة تتعارض مع الهوية الوطنية العراقية او تتقاطع مع هويات المكونات العراقية الأخرى... ؛ ولماذا يصر البعض على هذا التضاد والتعارض بين الهويتين فإن قلت انا شيعي عربي عراقي فهل هذا التصريح يخرجني من دائرة الوطنية ولماذا ؟؟!!
العراق اشبه شيء بنهر دجلة اذ تصب فيه روافد عدة تغذيه وهو يتكون منها ومن ينابيع المصب ايضا كذلك العراق يتكون من الاغلبية العراقية الأصيلة وبقية المكونات الاجتماعية الأخرى... ؛ فإن قلنا ان نهر العظيم او الزاب الكبير والزاب الصغير يصب او يصبان في نهر دجلة ... ؛ او تحدثنا عن طبيعة تلك الروافد فإننا اولا لم نجانب الحق والصواب ... ؛ وكذلك لم نهمل نهر دجلة لان الحديث عن الفرع يتضمن الحديث عن الأصل ولو بصورة غير مباشرة ... ؛ وان الكلام عنها يعني الكلام عن دجلة عينها ... ؛ وكذلك هو الحال بالنسبة لهوية الاغلبية العراقية الأصيلة ... ؛ بل يجب على النخب والشخصيات الوطنية فضلا عن الوطنية الشيعية العمل على بلورة الهوية الشيعية العراقية وصياغتها وفقا للمعطيات والثوابت التاريخية والوطنية وحمايتها من التشظي والاختراق بما يلحق الضرر بالهوية وبما ينعكس سلبا فيما بعد على الهوية العراقية الوطنية جمعاء... ؛ اذ اصبح من الواضح جدا ان الاختلال الذي يصيب المكون العراقي الاكبر يأثر سلبا على العراق وبقية المكونات... ؛ لأننا نعيش سوية وعلى نفس البقعة الجغرافية ومصيرنا مشترك فما يتعرض له الشيعي يؤثر بطريقة ما على السني وما يعانيه العربي ينعكس سلبا على الكردي وهكذا هي دورة الحياة الاجتماعية مرتبطة بعضها ببعض... ؛ تماما ( كزنبلك ) الساعة الصغير او اي جزء صغير في الساعة الكبيرة ... ؛ اذ ان إهمال هذا الجزء يؤدي إلى الأضرار بالساعة وتوقفها عن العمل ... ؛ فما من شيء إلا ويؤثر في بقية الأشياء...
كذلك هي المكونات العراقية بعضها يؤثر في بعض ... ؛ وأمامنا طريقان لا ثالث لهما اما التأثير السلبي والمتمثل بالتقاتل والصراع والطائفية والعنصرية والمناطقية والاستحواذ على الثروات الوطنية بشكل مجحف وغير عادل وبغض النظر عن مراعاة بقية المكونات ... ؛ وأما التأثير الايجابي والتفاعل السلمي والتعاون المشترك وتقسيم الثروات بين كافة المكونات بشكل عادل ومنصف ومن دون إلحاق الضرر بهذا المكون او ذاك ... ؛ والانصهار في بوتقة الهوية الوطنية الكبرى والتي تجمع كافة هويات المكونات العراقية وتعتز بها وتحافظ عليها ... .
ولكن هنالك امر هو من الأهمية بمكان فلكل بلد في العالم تاريخ وحضارة وسكان اصليين او قدامى ومن هؤلاء تصاغ الهوية الوطنية الاصيلة فليس من المعقول ان يتنازل الجرمان او الانكليز عن هويتهم الوطنية لأجل المواطنين الجدد والمهاجرين الذين استوطنوا المانيا وانكلترة حديثا ... ؛ نعم حقوق المواطنة شيء والهوية الوطنية شيء آخر ... ؛ فلا يوجد خلط بين الاثنين كما يفعل البعض .
فمن غير المنطقي والمقبول ان يدعي الكردي التركي او العجمي الايراني او الهجين العثماني او الاثوريين والارمن والشيشان والداغستان او بعض القبائل العربية التي هاجرت الى العراق قبل قرن او اكثر من الزمن ؛ الهوية الوطنية والاصالة العراقية ؛ اذ ان هذه الادعاءات تزيف التاريخ وتخلط الاوراق وتقلب الامور رأسا على عقب ... ؛ فلا يورث البقاء تحت سماء الوطن للغرباء دماء عراقية تجري في العروق , فالأفريقي الذي أمضى عمرا بين الجبال الالمانية لا يصير جزءا من اسطورة سيغفريد , كما ان تراب الهند المقدس لا يذوب في ضباب التايمز لمجرد قرن او قرنين من القرب , ولو عاش الافريقي مئة عام في احضان الغابات التوتونية فلن تتحول بشرته السمراء الى ملحمة نورسية او بشرة شقراء ؛ ولن تصير انغام طبيعته جزءا من سمفونية فاغنر , والهندي الذي يرتمي ظله على ضفاف التايمز لن يمسي سليل ارثر او حامل لواء السكسون ؛ فالإقامة الطويلة تحت سماء بلاد الرافدين التاريخية لا تعيد صياغة الجينات الوراثية او تغير الطباع المتأصلة لهذه الشخصية او تلك الفئة او هذه القومية , اذ ستبقى تلك الجماعات والفئات والشخصيات تحمل طباع اقوامها الحقيقية وبلادها الاصلية ؛ فالهندي القاطن في لندن لن تتحول ارواح اجداده الى أساطير الفايكنج ؛ نعم الجغرافيا قد تغير المكان والسكن والاقامة ؛ لكنها لا تخلق الانتماء الاصيل ؛ فالثقافة الاصيلة والهوية الوطنية الحقيقية كالشجرة جذورها لا تقتلع بمجرد نقل الغصون منها الى تربة جديدة ؛ فالأفريقي في برلين يظل ابن الزنجبار حتى لو غنى بالنشيد الجرماني , والهندي في يوركشاير لن يصير ساكسونيا ولو حفظ ملحمة بيوولف عن ظهر قلب ... ؛ ومن هنا تعرف السر في انتشار العادات والتقاليد المحلية (الجنوبية والفراتية ) والثقافة العراقية الاصيلة ؛ و زحفها المتواصل نحو المدن العراقية , وتجذرها بمرور الايام ؛ بالتزامن مع انحسار الثقافات والعادات والتقاليد الدخيلة والهجينة والمتمثلة بالثقافات الاجنبية والعثمانية والتركية والايرانية والاعرابية والشامية وغيرها ؛ فالطارئ لا يزاحم الاصيل مهما طال الزمن ؛ ولابد للدخيل من الاقرار بثقافة الاصيل ؛ والانكفاء والتقوقع على الذات الجمعية الهجينة و المتعارضة مع الهوية الوطنية الاصيلة .
فالوطنية والوطن ليس أرضاً فضاءً تُوزَّع على الوافدين والمهاجرين والمقيمين والمجنسين فحسب ، بل هو هويةٌ متجذرةٌ في أعماق التاريخ، ولن يُستعاد العراق إلا بقطع الحبل السري مع إرث التشويه العثماني ومَنْ خلفه من الانظمة الهجينة والغريبة والحكومات العميلة والبعيدة كل البعد عن الهوية العراقية الاصيلة .
|