قالَ الله- سبحانهُ وتعالى- في كتابهِ الكريمِ (لقدْ خلقنا الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ ) ، منْ هذهِ الآيةِ الكريمةِ نبدأ، مقالتنا، أنَ حسنَ الخلقِ والتقويمِ للانسان منْ قبلِ ربِ العالمين، لا بد وأنَ تكملةَ صفاتهِ الأخرى، المتمثلةَ في العقل، والفكرُ السليم، التي تميزهُ عنْ المخلوقاتِ الأخرى.
أن هذا يتطلبُ، التصرفُ الصحيحُ في الحياةِ ، مستخدمَ العقلِ والفكرِ ، كما وهبنا اللهُ لنا، والتنورُ بالعلمِ والقراءة، وأهمها القرآنُ الكريم، ليكونَ الإنسانُ لهُ شخصيةٌ مستقلة، وسطَ المجتمعِ بعيدا عنْ الولاءاتِ والتبعيةِ والتهريجِ والتهويل للآخرين.
تطمحَ العديدَ منْ الشعوب، في ظلِ النظامِ الديمقراطي، السائدَ في بعضِ دولِ العالم، وخاصةً العالمَ الغربي، وبعضَ البلدانِ المقلدةِ لها، سواءً الحقيقيةُ أمَ المزيفة، ومنها، المسمى الشرقِ الأوسط، وبالأخصِ منطقتنا العربية، إلى أنْ يسودَ، مبدأُ الديمقراطيةِ الحديثة في بلدانها، والتنعمُ بالحريات، بمختلفِ صورها ضمنَ القوانينِ النافذة، منها، حريةُ الرأيِ والتعبير، الناتجةَ منْ من حريةِ العقلِ والفكر، في التصرفِ الحكيمِ ، والهادئ، دونُ التعصبُ والتقيدُ أوْ التلبسِ بافكارِ الآخرين، قصرا، بمسبباتٍ اجتماعيةٍ أوْ دينيةٍ كما هيَ السائدةُ في مجتمعاتنا.
إنَ واقعَ الحالِفي في مجتمعاتنا، يشيرُ إلى تعرضِ العقلِ والفكرِ إلى الاغتيالاتِ المختلفة، ولكن، ليسَ بمفهومٍ القديم، في القتل كما في الأنظمةِ الديكتاتورية، بلْ باغتيالِ التعابيرِ المتنورة، واستبدالها بألفاظِ التمجيدِ الفاسدينَ والمنافقين، منْ الفارضينَ أنفسهمْ قصرا على الفقراءِ والمساكين، بالأفكارِ والتقاليدِ والأعرافِ البائدة، التي عفا عنها الزمن، مستغلينَ وسائلَ الإعلامِ وأموالِ الحرامِ عصابات، لتقسيطِ النخبِ المتنورةِ التي تطمحُ لقيادة شعوبها نحو الرقي والتقدم، وليس بأفكارِ الضلالةِ ، ممنْ يتخذونَ أغطيةٌ روحيةٌ أوْ عرفيةٍ لغطائهمْ الزائف، لمحاربةِ أصحابِ المواقفِ الخالدة، والذينَ يخافونَ اللهُ في أيِ طريقٍ يسلكونهُ.
كشفت التجربةَ المعاصرة، عنْ مفارقاتٍ مقلقة؛ إذْ إنَ العقلَ النقديَ والفكرَ الحرَ يواجهانِ اليومُ أنماطا جديدةً منْ الاغتيال، لا تقومُ على القمعِ الصريح، بلْ على آلياتٍ ناعمةٍ تعتمدُ على التلاعبِ الرمزيِ والإغراقِ الإعلامي، لمواجهةِ هذا الاغتيالِ الرمزيِ للعقل، لا بدَ منْ استراتيجياتِ مقاومةٍ تقومُ على التربيةِ النقدية، وتحريرَ الفضاءِ العمومي، إعادةُ الاعتبارِ للفكرِ المستقل، لأنَ الديمقراطيةَ الحقيقية، لا تقاسُ بعددِ الأصواتِ أوْ بحريةِ الشعاراتِ التي تحملُ منْ قبلِ البعضِ للتضليل، بلْ بقدرتها على صونِ العقلِ منْ الاغتيالِ الناعم، وحمايةُ الفكرِ منْ التحولِ إلى مجردِ صدى لمصالحَ خفيةٍ لبعضِ الأشخاصِ منْ ذوي الوجوهِ الصفراء.
وصف الفيلسوف سقراط العقلَ، بأنه، أداةَ الحقيقةِ والمعرفة، وأنَ المعرفةَ الحقيقيةَ هيَ معرفةُ النفس، حيثُ يهدفُ العقلُ إلى اكتشافِ الماهياتِ الكليةِ والتصوراتِ العامة، بديلاً عنْ مجردِ الإدراكِ الحسيِ الذي تخطئُ الحواسُ فيه.
|