أغلب المؤرخين يكذبون، خاصة عندما تتصل القضية بنهضة الحسين "عليه السلام"، البعض منهم ببغاوات يردد ما يسمع، وما يقرأ بلا تفكير، والبعض الآخر يدرك حقيقة الأمر ويعرف أن النهضة الحسينية ثورة معدة رساليا للتغيير.
جعل بعض المؤرخين من دعوة أهل الكوفة إلى الحسين "عليه السلام" سببا رئيسيا من أسباب النهضة، أي بمعنى يريدون أن يصوروا القضية ليست قضية الحاكم الفاسد، أو قضية دين، وإعداد ديني، إنما خدعوا الحسين "عليه السلام" بتلك الرسائل فأنخدع، يريدون أن يصوروا للعالم أن الحسين رجل مخدوع، لو نقرأ التاريخ بتمعن لأدركنا أن الإمام الحسين "عليه السلام" بدأ حركته منذ أواخر شهر رجب، وذلك في أوائل حكومة يزيد، بعدها خرج من المدينة قاصدا مكة لارتباط المكان بقصدية الحجيج، فمكة أكثر أمانا، ولها مركز اجتماعي وسياسي، أريد أن أصل إلى مسألة مهمة، بعد مرور شهرين على مغادرته المدينة وصلت رسائل أهل الكوفة، ورسائل أهل الكوفة وكتبهم لم تصل إلى المدينة، والحسين "عليه السلام" انطلق منها في حركته الجهادية
الشيخ المفيد "رضوان الله عليه" يرى أن حراك الشيعة لا يرتبط بخلافة يزيد، وإنما أرتبط الحراك باستشهاد الإمام الحسن "عليه السلام"، وكان الإمام الحسين يمتنع عن الثورة للتزامه بعهد أخيه، وانتهت المسألة إلى هذا الحد، فمن يرى أن رسائل أهل الكوفة وصلت الحسين "عليه السلام" لتكون تلك الرسائل جذوة النهضة، عليه أن يعرف أن نبأ موت معاوية وصل إلى أهل الكوفة، بعد خروج الإمام الحسين "عليه السلام" من المدينة المنورة ووصل إلى مكة المكرمة، ومعنى هذا لم تصله رسائل أهل الكوفة، قال أحد الخطباء قولا أعجبني (أن من يقرأ التأريخ لا يجد غير رجل هادئ كان جالسا في بيته بدعة واطمئنان ولا دخل له بشان بأي قضية)
بينما الطبري يرى أن الكوفة حين سعمت برفض الحسين "عليه السلام" لبيعة يزيد تأثرت بموقفه، أي أن الحسين "عليه السلام" هو الذي أثر على موقف أهل الكوفة، وليس أهل الكوفة هم من أثر على موقف الحسين "عليه السلام"، حتى أن أبي مخلف يذكر أن أول اجتماع كان في منزل (سليمان بن صرد الخزاعي) أول كلمة قالها مات معاوية، ورفض الحسين "عليه السلام" بيعة يزيد، أما خبر الرسائل التي يصورها البعض بأنها خدعت الحسين "عليه السلام" وكانت سببا من أسباب النهضة الحسينية، سنتكلم عنها تفصيلا هناك نصوص يرويها بعض ممن التحق بالإمام الحسين "عليه السلام" مثل (نافع بن هلال الجملي، والعائدي، وعمر بن خالد الصيداوي ومولاه) وقد وصف أولئك موضوع الرسائل للإمام الحسين "عليه السلام" فقالوا ، يا ابن رسول الله أما أشراف الناس فقد عظمت رشوتهم وملاذ غرائزهم وما كتبوا إليك إلا ليتخذوك، سوقا ومكسبا، وهم غدا عليك قلبا وحدا، وهذا قد يحتاج إلى توضيح بسيط أي أنهم سعوا لكي يظهروا بمظهر المعارض للسلطة، لتعزيز موقعهم عندهم، وليظهر للسلطة أهميتهم من ناحية أخرى.
لدينا مثل معاصر عندما قامت الانتفاضة الشعبانية انضم لها بعض أتباع السلطة كمؤيدين، ليظفروا الغايتين في آن واحد، فإذا نجحت الانتفاضة تقدموا وأصبحوا من المجاهدين، وإذا نجح الطاغية في العودة صاروا مجاهدين، وكان انضمامهم عبارة عن دس من أجل كشف الغايات، ولزرع الخوف في نفوس الثوار، نفس العملية التي حدثت في الكوفة، الناس النفعيون يغازلون الطرفين معا، وهم مع كل ريح يميلون.
الكتب الحقيقية التي أرسلت إليه والتي من الممكن أن يعتمد عليها سيد الشهداء الحسين "عليه السلام"، وكان الجميع على علم، رسائل أخرى من الجهات الأخرى التي حشدت في إجهاض حركت مسلم بن عقيل، مثل شبث بن ربعي، حجار بن أبجر النصراني الذي دخل الإسلام على يد بن زياد وغيرهم.
دخول ابن زياد والي الكوفة قلب الموازين، لأنه اشترى ذمم وجهاء القوم، واستعمل العنف والإرهاب، والقمع، والخديعة، وبادر بالهجوم على المعارضة.
المهم ما دام موضوعنا وقضيتنا هي قضية الرسائل، هناك رسائل وردت من المنافقين والنفعين، ركبوا موجة الرسائل، مدعين بطاعته والاستعداد لنصرته.
الشيعة الذي كاتبوه رموهم في المعتقلات، ومنعوهم من الوصول إليه، وقد كانت حركاتهم مرصودة، بل حتى أنفاسهم، ومن النتائج المهمة التي يحتملها موضوع الرسائل، إنها كانت من قبل أشخاص متعددين، هذا يعني أننا أمام مجتمع يفتقر إلى قيادة أو شخصية لها تأثير عام في الكوفة، والكوفة مجتمع فيه وجهاء وأشراف متعددون من الشيعة، لكن لكل منهم تأثيره في قبيلته، ويعجز عن توحيد المواقف.
هذه الحالة السياسية التي زرعها معاوية في المجتمع الكوفي من خلال خلق الفرقة والتناحر بين القبائل، والإرهاب والقمع، والمراقبة الشديدة التي ترصد الأنفاس، والاضطهاد المرير، والقتل الذي تعرض له الكثير من الشيعة، ومن زعمائهم، لذلك هذه الرسائل لم تكتب من طرف مسؤول بل كتبت رسائل متفرقة وهذا يعني أن المجتمع الكوفي يفتقر إلى جهة منفذة تعبر عن المجتمع، انظر إلى أجواء الواقعة و تعجب، قائد من قادة جند ابن سعد هو من بني أسد، وقائد كبير من قادة الحسين هو من بني أسد، هذا يدل على انقسام الولاء في القبيلة الواحدة، لذلك تعدد الانتماء في هذه القبائل ربما كان هو السبب الرئيسي الذي يجعل رسائل قبائل لا تتحرك بوجه الحكم الأموي، وضده، وتلك الرسائل تذبذب مواقف مرسليها تدل على الشلل النفسي والازدواجية الشخصية، وحب الحياة أكثر من الدين
|