نشأت في العراق حضارات ومدنيات قديمة ترجع إلى ما قبل الألف الثالث قبل الميلاد، وتعاقبت على أرضه عدة إمبراطوريات، أدت دوراً مهماً في عصور التاريخ، نظراً لموقعه الجغرافي المتوسط بين الشرق والغرب، ولوفرة الأراضي الخصبة وغزارة المياه، وكذلك لوجود المعادن المهمة في أراضيه, ومن أهم هذه الإمبراطوريات السومرية والأكّدية والبابلية والآشورية والكلدانية .
كان العراق مهدًا لحضارة عريقة، ففيه بدأت إحدى أقدم محاولات الإنسان في الزراعة وتدجين الحيوان في حدود الألف السابع قبل الميلاد، ونشأت المدن والمراكز الحضارية على شواطيء النهرين العظيمين دجلة والفرات وفيه كانت إحدى أقدم محاولات الإنسان في الكتابة والتدوين، كما ازدهرت فيه نتيجة لذلك التربية والتعليم، والقوانين وتدوين الطب والكيمياء والرياضيات والفلك والفن والأدب والتجارة والصناعة وغيرها, وغدت تلك المحاولات المبكرة الأساس المتين الذي قامت عليه الحضارة العراقية القديمة فيما بعد.
تعددت اسباب تسمية العراق عراقا لغةً وإصطلاحاً , وكان اغلب الاسباب للمفهوم اللغوي هو متأتي من الموقع الجغرافي واطلالة العراق على البحر تارة , ووجود نهري دجلة والفرات فيه تارة اخرى سببا رئيسيا في هذه التسمية منها : (( العراق شاطىء البحر على طوله وبه سمي العراق لانه على شاطىء دجلة والفرات)) , (( والعراق شاطىء البحر ...لانه على شاطىء دجلة والفرات مدا حتى يتصل بالبحر على طوله وهو مشبه بعراق القربة... وان اهل الحجاز يسمون ما كان قريب من البحر عراقا )) , وقال الخطيب البغدادي انما سمي العراق عراقا : (( لانه سفل عن نجد ودنا من البحر... والعراق معناه في كلامهم الطير وهوجمع عرقة والعرقة ضرب من الطير ... وانما سميت العراق عراقا لانه كل استواء عند النهر او البحر وفيه سباخ وشجر)).
ومن علماء اللغة ما اضاف الطبيعة النباتية وشدة خضرتها وكثرة نخيله سببا اخرا للتسمية : (( ان النبات الناعم الريان يرى لشدة خضرته من بعد السواد ولذا سمي سواد العراق لكثرة شجره )) , في حين جمع آخرون بين علة النهرين والنخل والشخر معا : (( لأن العراق بين الريف والبر، أو لأنه على عراق دجلة والفرات، أي: شاطئهما، أو معربة إيرانْ شَهْر، ومعناه: كثيرة النخل والشجر)) .
وسُمِى العراق أيضًا ببلاد الرافدين، لنهري دجلة والفرات، وقد ارتبط نشوء الحضارة وتطورها في العراق منذ عصور ما قبل التاريخ بنهري دجلة والفرات؛ فعلى ضفافيهما تأسست القرى الزراعية الأولى, بابل؛ وآشور , وكان للنهرين دور عظيم في قيام حضارة العراق منذ القدم , ومن عراقة البلد وتاريخه العريق ونشوء اول حضارة على ربوعه , نشأت التسمية الاصطلاحية للعراق , لامتداد حضارته بعروق وجذور متأصلة في القدم فأن من مقومات قيام الحضارة توفر المياه والتربة الخصبة ومعها ينشأ الاستقرار والزراعة وقيام العمارة , وبذلك فان هنالك اوجه تشابه وارتباط بين المفهوم اللغوي للعراق والمفهوم الاصطلاحي .
إن أقدم سكان العراق بلاد وادي الرافدين هم السومريون، في الجزء الجنوبي منه, وقد فدت شعوب سامية إلى وادي الرافدين في 3000ق.م تقريبا ، وكان يعيش بوادي الرافدين السومريون في الجنوب والأكّديون في الشمال، يتكلمون لغتين مختلفتين، إحداهما سامية، وهي اللغة الأكّدية والأخرى غير سامية، وهي اللغة السومرية, والسومريون هم مؤسسي حضارة وادي الرافدين، وأرقى حضاريًا من الأكّديين ,ولذا تأثر بهم الأكّاديون وورثوا كثيرًا من حضارتهم الراقية، وبخاصة الديانة والأدب ورموز الكتابة, وكانت الحضارة السومرية اقدم من الحضارات البشرية .
وتشير النصوص السومرية إلى أن الوضع السياسي الذي ساد العراق منذ العصر السومري، تميّز بوجود عدد من دويلات المدن المستقلة عن بعضها، ولذا نشأت أكثر من إدارة مركزية واحدة, ولم يخل التاريخ السومري من محاولات لبعض الحكام لتوحيد تلك الدويلات في دولة مركزية واحدة تسود أرض العراق بكامله، وتمتد أحيانًا إلى البلدان المجاورة.
وكان النظام الملكي الوراثي هو النظام السائد في العراق منذ عصور فجر السلالات وحتى نهاية التاريخ القديم.
ومن اسباب قوة ودعامة الحضارة العراقية , قوة البنية الاساسية للمجتمع وهي الاسرة فان الأسرة هي اللبنة الأساسية في الحضارة العراقية , ومن مجموع الأسر يتكون المجتمع، وغالبًا ما يعكس نظام الأسرة نظام المجتمع والدولة العام, وتألف من فئات وشرائح منها الحاكمة والمتنفذة سياسيا أو اقتصادياً أو دينياً .
ومن مظاهر حضارة العراق قيام الاقتصاد العراقي في العصور القديمة على دعامات ثلاث، هي الزراعة أولاً ثم التجارة ثانيًا ثم الصناعة ثالثا، ومنذ ذلك الحين بدأ الإنسان العراقي يتعلم وسائل الري الصناعية ليوسع من مساحة الأرض المزروعة, ولم تكن شهرة العراق القديم بالتجارة أقل من شهرته بالزراعة أو الصناعة؛ فقد كان لموقع العراق الجغرافي الاستراتيجي أثره الواضح في نشوء وتطور التجارة الخارجية، ونتيجة لاهتمام العراق بالتجارة اخترعت الوسائل التي تساعد على نمو التجارة وازدهارها كالعربات والسفن واستخدام الموازين والمكاييل، وكذلك استخدام الحبوب والمعادن كوسيلة لتقويم أثمان السلع والأجور بدلاً من النقود, وشرعت القوانين لتنظيم المعاملات التجارية الداخلية منها والخارجية.
وفي العهد الراشدي كانت المدينة المنورة اول الامر هي عاصمة الدولة الاسلامية , الا انه في عهد الإمام علي عليه السلام انتقل الى العراق متخذا من الكوفة عاصمة للدولة الاسلامية , نظرا للثقل الاجتماعي والاقتصادي والارث الديني فضلا عن الموقع الاستراتيجي ووقوع العراق في قلب العالم الاسلامي انذاك , ومن هذه المقومات وغيرها اصبحت الكوفة عاصمة الخلافة الاسلامية وأقام الامام عليه السلام معظم أيام خلافته في الكوفة، فكان يشرف خلال ذلك على شؤون العراق مباشرة , ونتيجة لسياسة الامام علي عليه السلام العادلة واستناد منهجه الى العلم والحكمة فقد ازدهرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واضحت الكوفة خاصة والعراق والدولة الاسلامية عامة تزدهر يوما بعد اخر واصبحت قبلة للعلماء والتجار ورمزا لقيام الحضارة الاسلامية الاصيلة .
وفي العصر العباسي اسست بغداد واصبحت عاصمة للدولة العباسية على مدى قرون متتالية , مع اتخاذ مدينة سامراء عاصمة لها في عهد بعض حكام بني العباس , وهذا كان بسبب ما يتمتع به العراق من مقومات كبيرة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وثقل حضاري قديم وتأريخ عريق , ومن العراق وعلماءه والمدارس الدينية والعلمية المنتشرة في ربوعه انتقلت العلوم والمعارف الى اصقاع المعمورة , والى الان تدرس نظريات وكتب علماءه في اشهر جامعات العالم .
|