الساعات الحرجة لأي قرار مهم، يحتاج الى عقلية مهمة تعي الفارق بين ما يقتضيه الواجب وما يقتضيه الوجدان، وعندما يظهر الانسان بطبيعته الصادقة، سيهتم بإنقاذ الناس وإبعاد وحش الفاقة عنهم، حتماً سيكون هذا الانسان قد غرس في الكون فضيلة تتنامى لتصل حد انقاذ الآخرين.
:ـ سأتدبر الأمر.. قالها رجل اسمه (بوب شابان) يعمل رئيسا تنفيذيا لشركة ضخمة، تعرضت عام 2008م الى ازمة مالية حتى صارت لا تتحمل أعباء مرتبات موظفيها، وكان مقدار العجز عشرة ملايين دولار، ولهذا قرر مجلس إدارتها تسريح جزء من الموظفين، وهذا العمل سينقذ بلا شك الشركة، لكنه سيضر الكثير من العوائل، رفض هذا الرجل الذي اسمه (بوب شابان) الفكرة أساساً، وقال:ـ لابد من حل واقعي، فحل التسريح سيعرض الشركة الى أسوأ من الخسران؛ لكونه سيسبب ببطالة شريحة من العاملين وتعرض ذويهم الى العوز والجوع والخذلان، فأي نجاح هذا الذي سيقوم على حساب تعاسة الآخرين..!
لابد من حل ينقذ الشركة دون ان يضر بمنتسب واحد، وهذا ما شجع الآخرين لتغيير طريقة تفكيرهم، البحث عن فكرة يتنفس فيها الجميع، أن يتوصلوا الى أسلوب تحمل المسؤولية من قبل الكل، وصار الاقتراح أن يأخذ كل موظف إجازة لمدة أربعة أسابيع بدون راتب في أي وقت هو يراه.
أحسست في هذا الرجل الحب والمحبة وعبقرية القيادة، رفع شعار (الأفضل أن نعاني جميعاً بالقليل، بدلاً من أن يعاني بعضنا بالكثير) هذا الأسلوب منح الجميع الأمان، وجعلهم يحبون عملهم ويتفانون في البذل، فوفرت الشركة عشرين مليون دولار، لم يطرد انسان من عمله، هذا المدير الذي اسمه بوب شوبان لم يكن تصرفه تصرف مدير، وانما كان تصرف قائد.
بعد أكثر من عشر سنوات حاولت أن أتصل به وفعلاً شاء الرحمن أن أحصل عليه عبر صديق مترجم، سألته عن كيفية توصله لمثل هذا القرار الجبار؟ أجابني:ـ إن الابداع القيادي يحتاج الى مكونات تربوية، يحملها الانسان هوية، فأنا تعودت أن لا أخلف وعداً أو أنكل عهدا، ومحبة عملي اكسبتني الخبرة، وبعدها سعيت أن أكون مؤثرا في قراراتي؛ لأني أرى بعين الإنسانية ومحبة الخير، تعودت على تقبل المخاطر في سبيل الإصرار على الالتزام، اهتم بشؤون الموظف وأضع شؤونه في المقام الأول، وأتصرف دائماً كقائد ولست مديراً، ودعته وقلت: شكراً لصديقي الافتراضي (بوب شوبان)..!
|