هناك اتجاهان أخلاقيان يتنازعان في عالمنا، إتجاه غربي ينطلق من فلسفات غربية تدعم القول بأن قيمة العمل تكمن في نتائجه، وقد أطلقت على هذا الإتجاه الأخلاقي" النتائجية:consequentialism "، وهناك إتجاه أخلاقي آخر استنبطه السيد الشهيد محمد باقر الصدر من النصوص القرآنية، وقد إطلق عليه "الدوافعية:motivism "، وقد كان اختيار السيد الشهيد محمد باقر الصدر لهذا المصطلح اختياراً موفقاً، فالدافع ليس مجرد النية القابعة في القلب، دون أن تحرك هذه النية صاحبها إلى فعل الخير، الدافع هو النية الطيبة +القوة التي تحرك الإنسان إلى فعل الخير.النية الطيبة التي ليس فيها طاقة ومحركية نحو الخير أطلقت عليها مصطلح" النياتية:internationalism "، والسيد الشهيد الصدر كان موفقاً بإختيار مصطلح الدوافعية؛ لان الدافع ليس مجرد نية ساكنة قابعة في القلب ، تفتقد إلى الطاقة المحركة لفعل الخير.
الدوافعية في القران الكريم
____________________
وقد أشار القرآن إلى قيمة العمل مقدراً إياه بدوافعه لا بنتائجه، ومن هذه الآيات:
(مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (إبراهيم:الآية:18)
ومنها قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (النور:الآية:39)
ومنها قوله تعالى:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل: الآية:97)
فهنا ليس المطلوب هو العمل الخارجي مع إلغاء الدوافع الداخلية للإنسان كما تقول "النتائجية"، وانما الإيمان هو الذي يعطي للعمل قيمته ورصيده الداخلي.
ومن هنا كان السيد الشهيد الصدر موفقاً في طرح اتجاه اخلاقي يقوم على الدوافع المحركة التي تفجر طاقات الإنسان الخيرة وليس مجرد النية الساكنة القابعة في قلب الإنسان دون تحريك وتفجير لطاقاته الخيرة، وأيضاً في طرحه هذا الاتجاه الدوافعي، في مقابل الاتجاه النتائجي الذي يختزل العمل الإنساني في بعده الخارجي ويجرده من بعده الداخلي، هذا البعد الذي يبرز الجانب الانساني والنزعات الخيرة في أعماقه، في حين ان التركيز على الجانب الخارجي مجرداً عن الدوافع الداخلية الخيرة يوقع الإنسان في حبائل الجشع والطمع ويبرز أنانيات الإنسان. هذا الاتجاه الأخلاقي الذي طرحه السيد الشهيد الصدر هو احد إبداعاته المتميزة.رحم الله شهيدنا المبدع والمبتكر وجزاه عن الإسلام خير الجزاء على ماقدم من افكار ورؤى إبداعية.
|