• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عقيدة التوسع الإسرائيلية- دراسة استراتيجية- .
                          • الكاتب : طارق الغانمي .

عقيدة التوسع الإسرائيلية- دراسة استراتيجية-

 في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، تدور عقيدة إسرائيل الكبرى حول المطامع التوسعية، وهذه تمثل هدفًا جيوسياسيًا يتم التعامل معه كضرورة وجودية، ويُنظر إلى هذا المشروع على أنه تجاوز صارخ للأعراف الدولية، مما يستدعي فهمًا عميقًا لآليات المواجهة والردع.

تتطلب طبيعة هذا التهديد الاستراتيجي ردًا يتجاوز حدود البيانات الدبلوماسية. في ظل غياب موقف عربي موحد وصارم، يصبح دعم القوى غير الرسمية -وتحديدًا فصائل المقاومة المسلحة- أمرًا لا غنى عنه، وهذه الفصائل، التي تُعَدّ بمثابة خط الدفاع الأول، أثبتت فعاليتها في إرباك المخططات التوسعية الإسرائيلية، أي دعوة لنزع سلاحها تُعَدّ خدمة مجانية للعدو؛ لأنها تقوض أهم وأنجع أداة في وجه أطماعه.
تستوجب هذه المرحلة الانتقال من حالة الدفاع السلبي إلى حالة الردع الإيجابي، ويُفترض أن يتم ذلك عبر بناء شبكات من القوى المحلية القادرة على العمل بمرونة خارج إطار الدول، في ظل تواطؤ أو عجز بعض الأنظمة الحاكمة في المنطقة، وهذا النموذج من "حرب العصابات" أو "الحرب غير المتكافئة" يُعدّ الحل الأمثل للتعامل مع قوة عسكرية تقليدية متفوقة.
وعلى الرغم من طموحاتها المعلنة، إلا أن إسرائيل تواجه تحديات داخلية وعملية تعيق تحقيق مشروعها التوسعي، ومنها الأزمة الديموغرافية الداخلية والتي تعاني إسرائيل من مشكلة جوهرية في استقطاب مستوطنين جدد، بالإضافة إلى تزايد معدلات الهجرة العكسية، وهذا التآكل الديموغرافي يضع علامات استفهام حول قدرة الدولة على ملء هذه المساحات الشاسعة بالبشر، مما يضعف الجبهة الداخلية ويثبت عجزها عن تحقيق "الحلم" عبر القنوات التقليدية. 
ليس هذا فقط بل أن استنزاف المواجهة تُظهر التجربة في الأراضي المحتلة، وبالتحديد في الضفة الغربية وقطاع غزة، مدى الاستنزاف الذي تُلحقه بالقوى الإسرائيلية، ومع استمرار هذه المواجهات تزداد كلفة السيطرة على السكان الأصليين بشكل غير محتمل، وهو ما يثبت استحالة السيطرة على مساحات أكبر تحتوي على أعداد أكبر من السكان.
في ظل هذه التحديات، يبدو أن إسرائيل قد تلجأ إلى استراتيجية بديلة أكثر دهاء، وهي "نموذج الوكيل" الذي يمكنها من استغلال الجماعات الدينية المتطرفة، على غرار تجربة "الجولاني" في سوريا، لخلق فوضى إقليمية، ثم توظيفها كقوة تابعة تخدم مصالحها الشخصية. هذه الجماعات التي تُجيد التلاعب بالعواطف الدينية، يمكن أن تكون أداة فعالة لإضعاف الدول وزعزعة استقرارها من الداخل، وهذا النموذج يتيح لإسرائيل تحقيق أهدافها بأقل كلفة ممكنة، عبر استخدام عناصر محلية تقوم بالعمليات العسكرية بالنيابة عنها.
إلى حدٍ كبير، فإن إسرائيل قد تلجأ إلى خيار بديل لتحقيق مخططاتها التوسعية، وهو تطبيق تجربة الجولاني في سوريا كما أسلفنا، والتي تعتمد على استخدام "جماعات دينية متطرفة" لإقصاء وقتل أي معارض لها، وهذا النموذج يستوجب إنهاء دور الحكومات "العميلة" واستبدالها بنموذج "إسلامي في ظاهره" تتقبله الشعوب التي تعرضت لـ"غسيل عقول"، ونتيجة لذلك تستطيع إسرائيل السيطرة على مناطق واسعة بأقل عدد من الجنود والمعدات، كما حدث في سوريا.
تمثل الأحداث الآنية صرخة غضب ويأس من الوضع الحالي في المنطقة، وأن الحلول السلمية قد ماتت، فلا بد من المقاومة التي تعد السبيل الوحيد لمواجهة التوسع الإسرائيلي؛ لأن الوضع يكشف عن قلق عميق من طرق السيطرة الجديدة التي قد تلجأ إليها الصهيونية، المعتمدة على استغلال الفصائل الدينية المتطرفة، وبالنتيجة فهذه النصيحة موجهة إلى الشرفاء من الشعوب لا إلى الحكومات، "لا لنزع السلاح" وعليكم التمسك بالمقاومة والصمود والحفاظ على العزيمة والإيمان بالقضية، وعدم الاستسلام أو اليأس حتى في أصعب الظروف، وهنا الصمود لا يقتصر على الجانب المادي فقط، وإنما هو صمود فكري ونفسي يمنع العدو من تحقيق أهدافه المعنوية والنفسية، مثل كسر الإرادة وتوليد الإحباط. 
هذا التحول الاستراتيجي يُعَدّ مؤشرًا على أن المعركة القادمة لن تكون تقليدية، وإنما ستكون معركة وعي وتعبئة، إذ يتقاطع فيها الجانب العسكري مع الجانب الأيديولوجي، مما يستدعي يقظة مستمرة وفهمًا عميقًا للتحالفات الخفية.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=207041
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 08 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 08 / 26