• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : الثراء والجريمة في رواية ( سقوط الشمس ) عيسى الصغير .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

الثراء والجريمة في رواية ( سقوط الشمس ) عيسى الصغير

المتن الروائي باحداثه البارزة لا يؤخذ بأنه سرد تقليدي في الشأن الفن الروائي , بأنه يتحدث عن طفلين بينهما فرق شاسع , اولهما تقرضه الفاقة والفقر والبؤس والحرمان الكلي , بينما الاخر يسبح في بحر المال ثراء الفاحش يلعب بالمال والصرف الباذخ . الاول يحلم باشياء بسيطة جداً , قميص أو بنطال جديد ,أو حذاء بدلاً من حذائه المطاطي وهو منحة من مدرسته , والآخر ينعم بالملابس الجديدة والهندام الراقي , رغم انهما اولاد عم من والدين شقيقين , احدهما فقير جداً , يكدح بعرق جبينه طوال النهار , ولم يوفر ابسط الاشياء الى عائلته , والى أمه المريضة , والآخر يلعب بدنيا المال ويسبح بنعيمها بالثراء الفاحش , دون جهد وعرق جبين , القطيعة الكاملة في الصلة بين الاخوين , كأنهما غريبان من رحم واحد , صياغة السرد وتتدفق احدثه تسرد بالضمير المتكلم أو ما يعرف الروائي العليم , يسرد الاحداث منذ كان طفلاً فقيراً, حتى شبابه طالب في المدرسة الاعدادية , عن مسلسل حياته وعائلته وصلته القوية بابن عمه ( سمير ) كأنه الملاذ من فاقته المزرية , وحاجته القوية أن يكمل حاجاته البسيطة من خلال وشائج هذه العلاقة , رغم تحذيرات الأب الصارمة , بأن يقطع الصلة تماماً وينسى بأن هناك عم وابن عم . الشخصية المحورية الطفل الصغير , ليس بأنه فقط يسرد حياته الفقيرة , بل يسرد حالة البلاد بعد الحصار الاقتصادي الدولي , الذي خنق العراق من الوريد الى الوريد , بعد حرب الخليج المدمرة عام 1991 وهلكت العراق بالفاقة الاقتصادية وشظف العيش الصعب والقاسي , ايام النظام الديكتاتوري . لذلك المتن الروائي وحبكته الفنية , تطرح ثلاثة محاور أساسية بأبعادها الفكرية والرؤية التعبيرية و بالدلالة الرمزية العميقة , بأن ترسم لوحات كاملة لهذه المحاور الثلاث وابعادها وتأثيرات على كل جوانب ميادين الحياة العامة والخاصة , ويمكن تلخيصها بالآتي :

1 - السيرة الحياتية :

يسرد حالة عائلته الفقيرة , وصراع الاب المضني في توفير ادنى شروط الحياة البائسة, حتى حرمان من الكهرباء في انقطاعها لساعات طويلة في عز قيظ الصيف الساخن الى درجة الغليان , ويحرم طفله في تلبية مطالبه البسيطة , مما يترك الحزن والدموع بالخيبة المحبطة , بينما ابن عمه ( سمير ) يلعب بالمال بتصرفاته الرعناء وسلوكه الأحمق , في السخرية والاستهزاء بأبن عمه الفقيرة , في إهانته بالسخرية والتهكم عليه أمام الأطفال , مرة اعطائه علبة حلوى فرح بها , ولكن حين فتحها وجد في داخلها قاذورات وأوساخ , تجرع الاهانة والسخرية , وظل متعلقاً به , كالغريق الذي يتعلق في قشة للانقاذ , يتحسر بحزن حين يجد ( سمير ) يغيير افخر الملابس الجديدة بين فترة واخرى , بينما هو محروم منها كلياً , مرة ذهب الى بيت عمه ( عايد ) ابو ( سمير ) اندهش من براعة الفيلا وجمالها الخلاب , بمساحة كبيرة مسيجة بالحديد وبالحديقة الكبيرة كأنها بستان الاشجار والزهور , المرصعة بالحجر الملون , بينما هو يعيش في غرفة صغيرة واحدة , هي كل شيء , مطبخ وحمام وغرفة النوم , ينطرحون على أرضها , أبيه وأمه وجدته المريضة , فقد شعر بهالة بيت عمه الكبير ( شعرت بأن هذا المكان , بدأ أنه مأخوذ من حلم , لاينتمي لعالمي ,وأنني لن اكون يوماً جزءاً منه , منْ يدري ؟ ربما أجمل ما رأيته على الإطلاق , ليس فقط في الواقع , بل حتى في احلامي التي احلق فيها , مع فراشات الاماني , صوب بيت جميل فيه ارجوحة طائرة , أو كبسولة ملونة بالازرق والاحمر , كتلك التي أراها في لعبة دكتور ماريو ) ص15 , عمه ( عايد ) لم يعره أية اهمية , كأنه غريب لا يعرفه , وزوجته استقبلته بنظرات الريبة والتوجس , تحسر على حياته البائسة بالحرمان , رغم أن أمه تلح على أبيه في محاولات إقناعه , أن يشكو حاله البائس الى شقيقه , لكنه يرد بصرامة قاطعة , وترد متذمرة ( أي عمل هذا الذي يقضي فيه الرجل يومه كاملاً , ولا يجني منه إلا ما يكفي لشراء بضع قطع من البسكويت وقنية حليب ؟ لماذا لا تخبر اخاك عايد ليساعدك على الأقل في مداواة أمكما ؟

ساد الصمت لوهلة بدت طويلة , ثم اجابها بصوت حاسم :

  • مستحيل أطلب ذلك ...أنسيتي يا فاطمة ؟ ) ص 23 . وهذه أول مرة يسمع عن عمه ( ابو سمير ) يتردد على لسان أمه وأبيه , ولا يعرف سبب رفض أبوه القاطع لاقتراح أمه ,لذلك يخلق في عقله جملة من التساؤلات المبهمة , لماذا هذه الهوة والقطيعة بين الأخوين ؟ ولماذا احد الأخوان في فاقة الفقر والآخر في الثراء وحياة النعيم ؟ وفي المدرسة الاعدادية تعرف على صديق آخر اسمه ( علي ) يعرف بالمشاكسة والشيطنة وروح المغامرات والمجازفات . وأصبحوا الثلاثة في سلوكهم الصبياني المراهق , تعلم التدخين والمغامرات المجنونة . وعرض عليه ( علي ) السفر الى مدينة النجف الأشرف , وهو يدرك ان ابيه يتحاشى ذكر مدينته النجف , التي عاش فيها في الثمانيات وتركها بالرحيل الى بغداد لسبب مجهول , حتى بموت جدته التي يحبها حباً عارماً لانها تواسيه بالحكايات الجميلة , لم يأخذه معه إلى مدينة النجف الاشرف , ذهب وحده ودفنها في مقبرة السلام , ورجع على عجل , ولكن بعد موت أمه كانت صدمة هزت كيانه , فكانت العمود والسند القوي , كانت تتستر على حماقاته بالغياب طوال اليوم حتى آخر الليل عن البيت , وحتى سرقاته مصروف البيت لم تصارح ابيه , لانها تدرك سيكون العقاب صارماً وقاسياً , بموت أمه شعر بالوحشة والعزلة والضياع والفراغ الكبير , لذلك استغل زيارته الى النجف مع صديقه ( علي ) فقد أخبره هذا بأن جده يملك أرشيف المدينة وتاريخ الأسر , وهذه فرصة سانحة لمعرفة تاريخ أسرته الغامض والمبهم . لا بد ان يعرف السر الحقيقي .

2 - كشف السر :

توجه الى مدينة النجف الاشرف, ليعرف لماذا ابيه يتحاشى ذكر اسمها , وحتى تاريخ عائلته , وكذلك ان يعرف الشيء الغربيب , بان ابيه وشقيقه من البشرة السمراء قصيري القامة , بينما ( سمير ) أبيض البشرة أشقر الشعر وذو عينين خضراوتين وطويل القامة , وحتى ( أم سمير ) من البشرة السمراء حنطية لكن بعد وصوله الى النجف لم يحالفه الحظ في رؤية جد ( علي ) لكن استقبله بكل ترحاب عم ( علي ) وبات ليلته في البيت , وفي الليل لفت نظره وجود صندوق خشبي , أثار فضوله , وعندما فتحه وجد في داخله مجموعة كبيرة من الأوراق والمذكرات والوثائق الرسمية من مديرية أمن النجف , عندما استولوا المنتفضين عام 1991 على المدينة وهروب رجال الامن , خوفاً من بطش الناس , قضى الليل يفتش في الأوراق والوثائق وخاصة مستندات مديرية امن النجف , جمعها ورجع الى بيته ليطلع عليها بهدوء وسكينة , وبالفعل اطلع عليه وإصابته الصدمة التي هزت كيانه , لم يستوعبها في وهلة الالاولى , لكن بدأ يفهمها بعد الاطلاع عليها باعصاب مضبوطة دون انفعال , عرف لماذا أبيه يتحاشى ذكر مدينته وتاريخ عائلته ؟ , ولماذا عمه ( عايد ) يرفل بالنعيم والمال الوفير , من خلال هذه المستندات الرسمية الصادرة من مديرية امن النجف , بأن عمه كان وكيل أمن في مديرية امن النجف , وعرف وزوجته عاقر لا تنجب اطفال , وإن عمه استغل عدم وجود احد في العائلة الثرية سوى امرأة مسنة , فقام عمه بقتل الجدة وسرق الذهب والمجوهرات , وقبل ايام قام في اعتقال والدين الطفل وتركوا الجدة وحدها , يعني عمه دبر مخطط سرقة البيت وقتل الجدة وخطف الطفل الرضيع , وجد بمواصفاته تنطبق كلياً على مواصفات ( سمير ) أنذاك كان رضيعاً عمره ثلاثة شهور , وضاعت اخبار اعتقال الام والاب , ربما اعدامهما بذريعة معارضة النظام , وتحدثت احدى الوثائق عن خطف طفلهم بعمر ثلاث شهور وذكر تفاصيل الموصفات تنطبق على ( سمير ) ( شد انتابهي ذكر حادثة غريبة في احدى الوثاق , اختفاء طفل رضيع وسرقة صندوق من الحلي والمجوهرات , والعثورعلى جدته الوحيدة مقتولة برصاصة مستقرة في قلبها , بقيت الجثة مهملة ثلاثة ايام ) ص105 , ووثيقة اخرى تقول ( أن الرضيع ابن لزوجين اعتقلتهما مديرية أمن النجف عام 1985 قبل ايام من مقتل العجوز التي هي أم الزوج , والاغرب من ذلك أن الطفل ذي الاشهر الثلاثة ) ووثيقة اخرى تضع عمه في مرصاد الجريمة ( اكتشف للتو أنه يخص عمي , اي هذا الرمز يخص زوجته ..... ولكنها عاقر إذن هذا يعني أنه رمزها , وانها لا يمكنها الإنجاب ) ص120 , وأوضحت الصورة لديه ( الآن فقط ..اتضح سر ذلك النعيم الذي نٌعم به ! إنها مجوهرات وقلائد تلك العجوز المسكينة ! لقد استغل وحدتها , استفرد بها بعد اعتقال ابنها وزوجته , وارتكب جريمته النكراء , ثم أخذ الطفل هدية لزوجته العاقر ) ص121 . وأدرك ان هو وسمير مساكين , وإن الرفاه والبذخ على حساب قتل واعدام عائلته جميعاً , اما هو فقد تجرع مرارة الفقر والعوز. ولكنه تشرف بحب شديد بخصال ابيه رغم قسوته , لانه عاش بشرف عرق جبينه , ورفض جريمة شقيقه مما سبب بالقطيعة الكاملة بينهما , لذلك شعر بالحب والاعتزاز بابيه انه طيب برفض جريمة شقيقه ( عايد ) , وفي جلسة سكر مع ( سمير ) شب الخلاف والنزاع والشتائم بينهما . مما صرخ به بغضب : ( - اخرس ! أنا اعرف حقيقتك ,أنت لست ابن عمي , وما المال والعز الذي تتباهى به سوى اموال اهلك الحقيقين , الذي قتلهم عمي منذ زمن ) ص147 . مما اشتاط غضباً ( سمير ) ولم يضبط أعصابه المتوترة جداً, أخرج مسدسه ودوت رصاصة تخترق جسده . أصبح مريضاً بالكرسي المتحرك , لا يستطيع الوقوف , اما سمير دبر له عمه طريق الهروب بعيداً عن اذرع العدالة .

3 - الرؤية الفكرية والدلالات الرمزية :

السرد الروائي في أحداثه المختلفة تشير الى اصابع الاتهام الى ان اصحاب المال الحرام , مطعونين في سيرتهم ونزاهتهم الاخلاقية , بل منخورة بالف ثقب وثقب , بطريقة كسبهم المال جاءت بطرق شيطنية احتيالية , بل بطرق إجرامية بعض الأحيان , والفرق الشاسع بين الرجل الشريف , والرجل الحرامي الفاسد , وتذكر صورة أبيه تنهال على ذهنه ( الذي لم انعم بحبه رغم وجوده , الذي ظننته جلاداً, لكنه لم يكن سوى ضحية لعمي عايد وأمثاله من الوصوليين , الذين لا مبدأ لهم سوى المال والسلطة أيا كان ثمنها ) ص146 . بكل تأكيد تاريخهم لا يخلو من التهم والجرائم والاحتيال , وإذا كان النظام الساقط اطلق العنان الى رجال الامن أو وكلاء الامن , ان يعبثوا في مصير البلاد والعباد , والتغيير الذي جاء الى العراق , لم يكن إلا فرحة مؤقتة ( فرحتنا لم تدم طويلاً بتغيير نظام الحكم السياسي ) ص30 . بأن رجال الأمن غيروا جلودهم من جلد البعث الى الجلد الإسلامي كالافعى الحرباء , في اسلوب المخادعة والتضليل مصبوغة في حلو الكلام , ولكن ( خلف تلك الوجوه وحوشاً , وإن حسن منطقهم لا يختلف عما يكمن وراء لعق العسل المسموم , أما تحت قصورهم الفارهة , وربما حتى تحت جوامعهم المهيبة, فتقبع أقبية وطوابير مظلمة لا يعرف فيها الليل من النهار ,لهم جنود من شياطين الإنس يعملون كما عملت شياطين الجن لسليمان) ص32 , ومثال عمه ( عايد ) من وكيل الأمن الى مسؤول سياسي كبير يجيد حبك الخيوط وقطعها متى شاء , إذ بعد التغيير ضعه الامريكان في منصب كبير في الدولة ليس مثالاً منفرداً بل اصبحت ظاهرة عامة , والتغيير الذي جاء بعد سقوط النظام جلب الخراب , فقد تدهورت حالة البلاد بالإرهاب والتفجيرات اليومية , في النهار والليل , حتى اصبحت الحياة ومخيفة ومرعبة . وأصبح بيت عمه ( عايد ) مزار لرجال الدولة والسياسيين , لكي يتنعمون ببركاته, ولا يمكن اتخاذ أي قرار رسمي للدولة , إلا بموافقته .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=206984
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 08 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 08 / 26