في مسابقه علمية في المدرسة، تحفز طه ذو السنين الأربعة عشر كعادته؛ لكي يصنع شيئاً مميزاً يلفت به انظار معلميه، خاصة وانه في كل عام يبدع في تصميم شيء مختلف ومميز، ففي العام المنصرم، صنع طه زورقاً خشبياً يتحرك في الماء بواسطة جهاز التحكم عن بعد، والعام الذي قبله صنع دمية صغيرة تطلق بعض الاصوات.
لم تأتِ عبقرية طه من فراغ او محض صدفة، بل جاءت من خلال دعم والديه وجده الحنون، فقد برزت هذه الموهبة عند طه منذ سنينه الاولى، عندما كان يعمد إلى تفكيك قطع الالعاب، وتصنيعها من جديد الى اشياء وحاجات أُخَر.
طه: ابي هل لديك فكرة ما تساعدني بها؛ لكي اشارك في مسابقة المدرسة..؟
الاب: بني.. ان الجمال يكمن في افكارك، وأنت دائما تفاجئنا بما هو جديد وجميل.
طه: لقد جاء جدي العزيز، سآخذ رأيه..
الجد: تفصح ابتسامتك عن أمر ما تريد اخباري به..!
طه: اجل يا جدي.. أردت رأيك فيما اصنع في مسابقه المدرسة العلمية؟
الجد: لماذا لاتتابع بعض كتب التجارب العلمية؟
طه: تصفحتها ولم يرق لي شيء منها.
الجد: سبحان الواحد الاحد الذي لم يستشر احدا عند خلق السموات والأرضين دون عمد!!
طه: حقا يا جدي.. انا دائم التفكير في ذلك، فكم تتجلى قدرة الله تعالى من خلال خلقه العظيم.
الأب: أنا على يقين بأنك ستفاجئنا مثل كل مرة.. لكني يا بني انبهك بأن تؤدي الصلاة ولا يشغلك عنها أي شيء.
ذهب طه الى غرفته مستلقيا على سريره، وقد شعر بالنعاس يدغدغ عيونه، فأراد ان يؤدي صلاته، لكنه سرعان ما نساها، ومن خلال نافذته المشرعه تطلع نحو النجوم الثاقبة، وهي تتوسط السماء، وكأنها مصابيح براقة، وقدحت الفكرة في رأسه، حتى غادر سريره وراح يعمل، يحاول ويحاول...
ولما بزغ الصباح، ذهب طه الى غرفة جده..
طه: جدي، لقد صنعت مصباحا يعمل على طاقة الشحن.
الجد: ها... احسنت لكن التعب يبدو واضحا عليك، يا له من مصباح جميل..!
طه: جدي اتعلم ان فكرته داهمتني، وآنا أتأمل مصابيح السماء..
الجد: تقصد نجوم السماء..؟
طه: نعم يا جدي.. كلما حاولت صنع شيء اتذكر قدرة الله، واخجل من تقصيري له.
الجد: يا حفيدي العزيز.. ان الله تعالى صانع الاشياء، وقد خلق هذا الخلق بحكمة واعجاز، وعلينا دائما شكره والثناء عليه، وان نعبده ولا نشرك به.
دعني أقرب اليك الفكرة، وانت في ليلة البارحة كنت ساهرا تعمل بجد تنتظر اطلاعنا على نتاجك؛ كي تسمع مديحنا وشكرنا لك، اليس كذلك..؟
طه: اجل يا جدي كلامك صحيح.
الجد: اذن أفلا يستحق الله تبارك بعد كل هذا الابداع في الخلق عبادته وشكره؟
طه: طبعا يا جدي.. يا ويلي كم انا خجل من ربي..
الجد: لا يكفي الخجل او الندم، العمل يا صغيري وحده الذي يكفي، هيا ساعدني للنهوض؛ كي نصلي معا صلاة الفجر، ولأحدثك حول كلمات امامنا السجاد (عليه السلام)، حيث قال في حق الله تعالى:
((فأما حق الله الاكبر عليك ان تعبده لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل الله لك على نفسه أن يكفيك امر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منهما)).
(رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام).
|