• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : جرائم الحرب في غزة ومسؤولية المحتلين .
                          • الكاتب : جاسم محمدعلي المعموري .

جرائم الحرب في غزة ومسؤولية المحتلين

حين ننظر إلى الحرب لا يجب أن نكتفي بالنظر إلى الحكومات، بل يجب أن نتجاوز الستار السياسي لنرى ما خَلفَهُ, انها الشعوب الصامتة، المتواطئة، أو الخائفة، وأحيانًا المستفيدة او المشاركة في الجريمة فحين تتساقط القنابل على غزة، لا تتساقط فقط من طائرات، بل من صمتٍ ثقيلٍ يسكن مدن الاحتلال الإسرائيلية، ومن عيونٍ أُغمضت عمدًا، ومن ضمائر ارتاحت إلى السردية الرسمية التي جعلت من الضحية جلادًا، ومن الجلاد ملاكا.. الديمقراطية لا تعني أن تصوّت ثم تنام، أن تمنح صوتك لقاتلٍ ثم تتظاهر بأنك لم تكن تعلم.. والحرية ليست صندوق اقتراع، بل وقفة ضمير، وموقف إنساني، وفعل احتجاجي حين يتحول النظام إلى أداة للذبح.. لا يمكن لشعب أن يكون حرًا إذا ما تجاهل ما يُفعل باسمه.. لا يمكن لمن يزعم أنه يعيش في نظام ديمقراطي أن يتنصل من مسؤولية سفك الدماء إن كان هو من اختارالحزب المتطرف إلى الحكم، أو من اختار أن يتجاهل حين وُضعت أمامه الحقيقة.

لو كنتم شعبا حرا يمتلك ضميرا ككل الناس كان يمكن لكم أن تقفوا على حدود غزة لا بالسلاح، بل برغيف خبز، بحفنة دواء، بشربة ماء وأن تكسروا ابواب المعابر, كان يمكن للمجتمع الإسرائيلي المحتل أن يقول: "لا"، لا للحصار، لا للموت الجماعي، لا لتحويل غزة الى مقبرة.. لكنه لم يفعل.. ربما القلة فعلت، لكن الأغلبية إما وافقت، أو صمتت، أو خافت أن تُحسب على "العدو". وهنا تتكشف الحقيقة الموجعة وهي أن الخوف لم يعد من القنابل، بل من الكلمة. أن الذي يقول "توقفوا" قد يُتهم بالخيانة، في حين أن القاتل يُمنح وسام البطولة. ولكن على كل حال انتم محتلون وهذا متوقع من المحتل ولكن توجد بعض الانسانية حتى عند العدو في ساحات المعارك احيانا.

اما في الضفة، فلا قنابل، بل مستوطنون.. لا طائرات، بل جرافات.. هناك، القتل لا يأتي من السماء، بل من الأرض التي تُنتزع، من البيوت التي تُحرق، من الوجوه التي تُصفع في وضح النهار.. المستوطنون، هؤلاء الذين يسرقون الأرض ويزرعون الخوف، لا يتحركون وحدهم.. بل هناك من يحميهم؟ من يبرر لهم؟ من يجعل القضاء صامتا والإعلام اعمى؟ إنها الدولة والمجتمع معا، والنظام الذي تماهى مع مشروع عنصري لا يرى في الفلسطيني إنسانًا، بل عقبة يجب إزالتها.. وهنا يعود السؤال وهو أين الشعب ياترى؟ أين الضمير الإنساني الذي يُفترض أنه تعلم من مآسي التاريخ؟ ألم يحن الوقت لأن يقول كفى؟ ألم يحن الوقت لأن يتوقف عن إنتاج جلاد جديد تحت ذرائع تاريخية؟ الذكرى لا تُبرر الجريمة، بل يجب أن تمنع تكرارها.

إن من يُطلق الرصاص ليس وحده المسؤول, بل كل من يغض الطرف، كل من يتابع المجازر وكأنها فيلم سينمائي، كل من يُعيد انتخاب من وعد بالمزيد من الدم، وكل من يختبئ خلف شعارات الأمن ليبرر قتل المدنيين.. الشعوب التي تقف ضد حكوماتها حين ترتكب جرائم تصنع الحضارات, أما الشعوب التي تصفق للموت أو تصمت عليه، فتصير جزءًا من العار, العار لا يُمحى بالادعاءات، ولا بالمناورات الإعلامية.. العار يُمحى بالفعل، بالخروج إلى الشوارع، بفتح المعابر، بتحدي الجنود، برفع الخبز في وجه القنابل.

ما الذي يمنع الإسرائيلي أن يخرج غدًا إلى حدود غزة، حاملاً بيده زجاجة ماء لطفل يموت عطشًا؟ ما الذي يمنعه من مجابهة سيل المستوطنين، من الوقوف في وجههم، من القول لهم: "أنتم لا تمثلونني، أنتم تسرقون أرضًا ليست لكم، وتُشعلون نارًا ستأكلنا جميعًا"؟ ما الذي يمنعه من العصيان المدني، من الإضراب العام ,من رفض الخدمة في جيش يتحول إلى آلة قتل؟ ما الذي يمنعه من استعادة إنسانيته؟ لا شيء سوى الاشتراك بالجريمة اوالخوف، أو الكسل الأخلاقي، أو التماهي مع سفك الدماء والضغوط القاتلة كي ترضخ حماس.

الديمقراطية ليست فقط آلية حكم، بل أخلاق سياسية. ليست فقط حرية رأي، بل مسؤولية فعل. ومن دون هذا، تتحول الديمقراطية إلى غطاء ناعم لسلطة فاشية، وتتحول صناديق الاقتراع إلى مقصلة جماعية. من أعطى صوته لمتطرف، فهو مسؤول عن نتائجه.. ومن برّر الظلم باسم الدفاع عن النقس، فهو جزء من الظلم. ومن صمت لأن الضحية ليست من "جماعته"، فقد خان إنسانيته قبل أن يخون الآخرين.

قد يأتي يوم، وربما ليس ببعيد، تُفتح فيه دفاتر الدم.. حينها لن تُسأل الحكومات وحدها، بل الشعوب أيضًا.. ماذا فعلتم؟ لماذا لم تتحركوا؟ كيف صمتم كل هذا الوقت؟ وعندها لن يُجدي قول من يقول لم اكن اعلم, فالعالم كله كان يشاهد، والأطفال كانوا يصرخون، والعطاشى كانوا يطلبون الحياة، والدواء كان يئن في مخازنه المغلقة. كان بإمكان اليد أن تكتب، والقدم أن تمشي، والفم أن يصرخ، لكنكم فضلتم ارتكاب الجريمة بدل ايقافها وفضلتم الراحة على العدالة، والخوف على الكرامة، والانتماء الضيق على الأخلاق الإنسانية.

وها نحن الآن نعيش في لحظة فاصلة.. لحظة يمكن لما يسمى (الشعب الإسرائيلي) أن يقول فيها لسنا كلنا قتلة وأن يثبتوا ذلك لا بالكلمات، بل بالأفعال. أن يحملوا الخبز إلى من جاع بسبب قنابلهم، والدواء إلى من جُرح بنيرانهم، والماء إلى من اختنق تحت الحصار.. أن يقفوا لا كشركاء في الجريمة، بل كشهود ضدها.. أن يرفضوا، حتى لو كلفهم ذلك كثيرًا، لأن ما يُكلفهم أكثر هو أن يعيشوا دهورًا في مرآة التاريخ كمجرمين وان كان هذا ليس غريبا عنهم, فهم كانوا قتلة الانبياء واليوم هم قتلة الصحفيين, لأن الانبياء والصحفيين صوت الضمير الذي يأتي لنا بالحقيقة التي يخافون منها.

فلتُفتح المعابر، لا بقرار من نتن ياهو قاتل الاطفال والنساء ولا من فرعون مصر الشديد على شعبه الرحيم الودود مع الأقوياء والاغنياء ، بل بأيدي البشر. فليحمل كل فرد رغبته في السلام، في وجه آلة الحرب. فليكن الحصار مكسورًا بالضمير، لا بالصفقات.. لأن الضمير حين يستفيق يمكن أن يغير العالم ,لكنه حين يصمت يسقط في هاوية لا قرار لها.. وإن كانت ثمة بداية حقيقية لأي سلام، فهي في أن يدرك البشر مسؤوليتهم، وأن يعرفوا أن السكوت ليس حيادًا، بل مشاركة.. وأن أكثر الجرائم فظاعة ليست تلك التي يرتكبها المجرمون، بل التي يصمت الناس عنها




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=206876
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 08 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 08 / 23