الأطفال أحد مصاديق زينة الحياة الدنيا، ينثرون الفرح والسعادة والبسمة في ربوع البيت.. مهما كان نشاطهم وفعالياتهم التي قد تزعج الوالدين المُثقلين بأعباء ومشاغل الحياة المختلفة..
لكن من المؤلم جداً، والمهين للحياة الأسرية، هي انتشار ظاهرة ضرب الأطفال... ورؤية آثارها السيئة على أجسادهم النحيلة..! وهذا العنف اللامنطقي قد يمتد الى النساء أيضاً.. فيتعرضان معاً للضرب من قبل الأب، أو من قبل جهات متعددة: كالعم أو الجد أو الخال..
ونحن كمجتمع مسلم وملتزم، نعتبر الأمر غريباً، بل فيه بعض البعد عن الواقع..! باعتبار ما أوصانا به نبينا العظيم(ص) بالرحمة والرفق بنسائنا وأطفالنا.. لكن ما صدمني حقاً.. رؤيتي لطفل جاء مع جدته لعيادة الطبيب، وعليه علامات غريبة، بعضها ازرق والبعض اسود..!! وهو لم يتجاوز خمس سنوات من عمره..!!
سألت إحدى الجالسات، الجدة: ما هذه العلامات في يد حفيدك..؟
والحقيقة ارعبني الجواب عندما سمعته...!
قالت وبكل أريحية، وكأنها هواية اعتاد الأب أن يمارسها كل يوم: ابني يأتي منزعجاً إلى المنزل، والأطفال يتشاجرون، والبيت فيه اكثر من عائلة؛ لأنهم من منطقة ريفية.. ولا يجد إلا الحزام الجلدي او (الصوندة القوية) علاجاً لإيقاف إزعاج الاطفال وأذاهم..!!
لم اتمالك نفسي، وأنا أتخيل الحالة مع رؤية وجه الطفل البريء، إلا أن غمرت عيني الدموع...
ورفعت طرفي للسماء لأقول: ساعد الله قلبك يا مولاي يا صاحب الزمان..
هل يتألم قلبك من مشاهد تعذيب الدواعش للأبرياء، أم يتألم قلبك لتعذيب بعض الآباء للأبناء..؟ وإذا كان الاب هكذا يتعامل مع فلذة كبده، فلا نستبعد أن يقتل الآخرين..!
ولا يخفى أن من أولويات الوالدين، تخصيص وقت للحديث مع الأولاد، والحرص على الاجتماع الأسري بشكل دوري..
وطبعاً.. كلما كان الأطفال أصغر، كلما احتاجوا لوقت الوالدين أكثر..
وحتى في الكبر للتدريس او المتابعة..
ولكن مع الأسف.. نجد بعض الآباء مكرساً قسوته وعنجهيته مع الزوجة والأولاد، والتبسم والنكات والأريحية هي مع المجتمع فقط..! وعندما يأتي وقت الأولاد لا تكون حصتهم إلا الزجر والفظاظة...!! هذا إن لم تكن حصتهم الحزام الجلدي..!!
ولا أعرف.. اي أبوّة هذه، ورحم الله من أعان ولده على بره وطاعته...
ثم أين تطبيق قول أمير البلاغة علي بن ابي طالب(عليه السلام) حيث يقول مخاطباً ابنه الحسن(عليه السلام): ((وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي، حتّى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وحتّى كأنَّ الموت لو أتاك أتاني)).( الحكمة عند الإمام علي (عليه السلام) في نهجه: ج1/ ص2).
وإذا كانت المنظمات توضع لحماية الحيوان (أجلكم الله)، أليس الإنسان أولى بحمايته من أيدي الجلادين...؟
فعندما لا يهتم الوالد بتدريس ابنه.. والأم تقضي وقتها بين الخروج من المنزل، وبين تضييع الوقت الثمين بحجة (التواصل الاجتماعي)، او المشاكل الأسرية، يبقى الطفل متحيراً: مَنْ يشرح له الدروس..؟ فأكيد سوف يترك الأمر ولا يُحضر..
وعندما يستلم الطفل النتيجة، يثور نشاط الأبوين؛ لأنه أهمل واجباته..!!
ولا أحد منهما يلوم نفسه، أو يفكر بسبب اهمال الابن.. هذا بالإضافة لما يتركه العنف من أثر على شخصية الطفل في المستقبل، فينشأ ضعيف الشخصية، خائفاً قلقاً لا يقدم على اي عمل؛ مخافة أن يكون عمله خاطئاً، فيعرضه للضرب او التوبيخ.
وللحد من هذه التصرفات والقسوة والضرب، أجد أن التوعية والتوجيه أمور مهمة جداً للأبوين.. وقد يقتضي الامر وجود رقابة وخبراء يتابعون الطفل في المجتمعات الريفية وغيرها، وتقدم دراسة تفصيلية الى الجهات المعنية والمسؤولة في البلاد، حتى يتم إقرار قوانين ودساتير تضع حداً للعنف في الأطفال، او إهانتهم وتجريحهم او الاعتداء عليهم.
وإن فكرة (هو ابني) لغة التملك بلا ضابطة، فكرة توحي الى الاستعباد والرق، وإن كان هذا الطفل ابنك لا يسوغ لك أن تعامله بما يحلو لك؟!
وكذلك دور الاعلام رئيسي جداً في نقل الحوادث بواقعية.. وإلا فإن البعض لا يعي مسؤوليته، ولا يلتفت لحرمة الضرب شرعاً، وآثارها على الأطفال..
فمن ينقذ فلذات أكبادنا من ظاهرة الإرهاب الأسري المقيت..
|