المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطاهرين، أما بعد:
إن شخصية زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) من الشخصيات التي حظيت بمكانة عظيمة في التاريخ الإسلامي، واحتلت حيزًا واسعًا في كتب السيرة والتاريخ والحديث والرجال. إلا أن هذه المكانة لم تسلم من محاولات التشويه والغموض، نتيجة لتضارب الروايات المنقولة عنه، فبين روايات تمدح حركته ومواقفه وتثني على جهاده، وأخرى تذم وتنتقص من شأنه، يجد الباحث نفسه أمام مسألة تقتضي الدراسة والتحقيق.
أولاً: بيان المسألة وإشكالية البحث
تكمن المسألة في البحث عن الحقيقة الكامنة خلف هذه الشخصية الفذة التي تربّت في بيت العصمة، وقادت ثورة كبرى ضد الظلم الأموي. إن الإشكالية الرئيسة التي تواجه الباحث هي كيفية التوفيق بين هذه الروايات المتناقضة، وتحديد المسار الصحيح الذي سلكه هذا الشهيد العظيم، خاصةً وأن الروايات الذامة غالبًا ما تُستعمل لإضعاف مكانته وتبرير تخاذل البعض عن نصرته. إن دراسة حياة زيد وثورته لا تقتصر على الجانب التاريخي فحسب، بل تمتد إلى الجانب العقائدي والفقهي، باعتباره رمزًا من رموز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثانياً: أهمية البحث وأهدافه
تأتي أهمية هذا البحث من كونه محاولةً لإنصاف شخصية زيد الشهيد، وتوضيح أبعادها المتعددة، وإثبات مكانتها الرفيعة في المذهب الإمامي. كما يهدف البحث إلى تحقيق ما يلي:
1. إزالة الغموض واللبس عن شخصية زيد الشهيد من خلال دراسة نقدية للروايات المتعلقة به.
2. إبراز مكانته العلمية والأخلاقية ودوره كعالم ومفسر وفقيه.
3. توضيح الأهداف السامية لثورته، وإثبات أنها امتداد طبيعي لثورة جده الإمام الحسين (عليه السلام).
4. بيان الصلة الوثيقة بين زيد الشهيد وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، خاصةً الإمامين الباقر والصادق، وشهادته بإمامتهم.
المبحث الأول: الإطار السيري والتربوي لزيد الشهيد (عليه السلام)
1. اسمه ونسبه ولقبه
هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام). لُقب بـ"حليف القرآن" و"زيد الأزياد"، وكُني بأبي الحسين، وهو اسم ابنه الأكبر. كان نقش خاتمه: "اصبر تؤجر، أصدق تنجُ".
2. ولادته وشهادته
اختلف المؤرخون في تحديد سنة ولادته، والقدر المتيقن أنها كانت بين عامي 75-79 هجرية. أما شهادته، فقد وقع الخلاف فيها أيضًا نتيجة للاختلاف في تاريخ ولادته، فقيل استشهد في النصف من شهر صفر عام 121 هجرية، وقيل كان عمره 48 سنة.
3. نشأته ومكانته
نشأ زيد الشهيد في بيت النبوة والإمامة، في أحضان ثلاثة من الأئمة الأطهار: الإمام السجاد، والإمام الباقر، والإمام الصادق (عليهم السلام). تلقى علومه من هذه المدرسة الأصيلة، وبلغ شأناً عظيماً في الفقه والحديث والتفسير. وقد أخذ علومًا متنوعةً كالطب والكيمياء وغيرها. إنه ابن إمام، وأخ إمام، وعم إمام، ومكانته العلمية عظيمة شهد لها الجميع، فقد كان من حفاظ الصحيفة السجادية.
المبحث الثاني: حركة زيد الشهيد: الأهداف والمواقف
1. أهداف الثورة
كانت أهداف ثورة زيد الشهيد واضحة وصريحة، وقد صرح بها هو نفسه، كما أشار إليها الأئمة الأطهار. كانت شعاراته تتمثل في:
1. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2. الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ما يعني المطالبة بالحق المغتصب.
3. الانتصار لمظلومية جده الإمام الحسين (عليه السلام)، وكانت ثورته امتدادًا طبيعيًا لثورة عاشوراء.
2. الثورات التي سبقت ثورة زيد
تأتي ثورة زيد في سياق حركات وثورات سابقة قامت كرد فعل على واقعة الطف، من أبرزها:
1. ثورة التوابين (عام 65 هـ): أول حركة في الكوفة، تميزت بطابع الندم والتكفير عن الذنب، وقاتلوا جيوش بني أمية حتى استُشهدوا.
2. ثورة المدينة: رد فعل على فاجعة كربلاء، وقد أججتها خطب ودموع السيدة زينب (عليها السلام) التي فضحت بها ظلم الأمويين.
3. ثورة المختار الثقفي (عام 66 هـ): ثورة قامت في العراق للمطالبة بدم الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد نجحت في تصفية عدد كبير من قتلة الإمام.
4. ثورة مطرف بن المغيرة (عام 77 هـ).
5. ثورة ابن الأشعث (عام 81 هـ).
المبحث الثالث: الروايات المتعلقة بزيد: نقد وتحليل
وردت في المصادر روایات متعددة حول شخصية زيد الشهيد، يمكن تقسيمها إلى نوعين:
1. روايات المدح: وقد تجاوز عددها 46 رواية، تثني على فضل زيد وعلمه، وتُبين أنه صاحب قضية وهدف، وتصفه بأنه شهيد مذبوح، منبوش القبر، ومحروق، وقد بكى الأئمة (عليهم السلام) لمصابه.
2. روايات الذم: وصل عددها إلى أكثر من 24 رواية، وهي تذم حركته ومواقفه.
الجواب على التناقض:
إن روايات المدح قد ثبتت بـالتواتر، وهو ما يُفيد اليقين والقطع، بينما روايات الذم هي من خبر الآحاد، وغاية ما تُثبته هو الظن. ومن المعلوم أن الظن لا يمكن أن يُعارض اليقين، ولهذا لا قيمة ولا اعتبار لروايات الذم التي تتعارض مع ما تواتر عن الأئمة (عليهم السلام) في حق زيد (عليه السلام). إن الأخذ بروايات المدح هو المتعين والموافق للحق.
المبحث الرابع: مصاب زيد واستشهاده
كانت ثورته في الكوفة، وبايعه الآلاف، ولكن لم يحضر معه عند بدء القتال سوى 218 رجلًا. رغم قلة العدد، إلا أنهم قاوموا ببسالة. وأثناء القتال، أصيب زيد بسهم في جبهته وصل إلى دماغه، فحُمل إلى منزل، وأخبره الطبيب أن نزع السهم سيؤدي إلى وفاته. ففضل الموت على ما كان فيه من الألم، واستشهد رحمه الله. قام أصحابه بدفنه سرًا في ساقية، وأجروا عليها الماء لإخفاء قبره. إلا أن خبر دفنه وشى به غلام سندي، فنبشوا قبره، واحتزوا رأسه، وصلبوه على "كناسة الكوفة" لمدة أربع سنوات، ثم أحرقوا جسده وذروه في الهواء، وهو ما يُعرف بـ صليب الكناسة .
الخاتمة
إن شخصية زيد الشهيد هي شخصية فريدة ومتكاملة، جمعت بين العلم والجهاد، وبين العقل والمنهج. يمكن تلخيص أهم النتائج التي توصل إليها هذا البحث فيما يلي:
1. إن مكانة زيد الشهيد ثابتة بالتواتر عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأقوالهم وأفعالهم، وعليه فإن روايات الذم لا تعارض هذا اليقين ولا يلتفت إليها.
2. كانت ثورته امتدادًا طبيعيًا لثورة جده الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان هدفها إقامة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3. إن مصاب زيد الشهيد كان من المصائب التي أبكت الأئمة وأهل الإيمان، وقد لعن الإمام الصادق (عليه السلام) من هجاه.
4. كان زيد مؤمنًا بإمامة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وكان يذكر أسماء الأئمة الاثني عشر ويُقر بعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأنهم.
قائمة المصادر والمراجع
أولًا: المصادر الأولية
1- الشيخ الصدوق، أمالي الصدوق.
2- الشيخ الصدوق، معاني الأخبار.
3- الشيخ الكليني، الكافي.
4- الشيخ الطوسي، أمالي الطوسي.
5- الشيخ المفيد، الإرشاد.
6- الشيخ المفيد، الاختصاص.
7- ابن شهرآشوب، المناقب.
8- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا.
9- ابن حنبل، مسند أحمد.
10- الطبري، تاريخ الأمم والملوك.
11- الشيخ الطبرسي، مستطرفات السرائر.
12- الشيخ النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل.
13- الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال.
14- ابن أبي الفوارس، الخرائج والجرائح.
15- ابن عنبة، عمدة الطالب.
16- المجلسي، بحار الأنوار.
17- الشريف الرضي، خصائص الأئمة.
18- الشيخ الطوسي، الأمالي.
19- الطبري، دلائل الإمامة.
20- أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين.
21- الملا محسن فيض الكاشاني، الوافي.
22- ابن عساكر، تاريخ دمشق.
23- المسعودي، مروج الذهب.
ثانيًا: المراجع الثانوية (الدراسات المعاصرة)
1- الشيخ جعفر السبحاني، الزيدية.
2- السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة.
3- السيد عبد الرزاق المقرم، زيد الشهيد.
4- الشيخ نوري حاتم، زيد الشهيد.
5- أحمد صبحي، الزيدية.
6- السيد أبو فاضل الرضوي، شخصية زيد.
7- الشيخ رافد التميمي، مركز الأبحاث العقائدية.
|