• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مسؤولية العهد الحلقة الثالثة .
                          • الكاتب : الشيخ عبد الرزاق فرج الله .

مسؤولية العهد الحلقة الثالثة

  جاءت أقوالُ المفسرين فيما هو المراد من العهد في الآية الكريمة: (والذين ينقضون عهدَ اللهِ من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمرَ الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) الرعد:25، منصبة على ثلاثة آراء:
الأول: العهد هو ما ركبه الله تعالى في نفوس الناس من أدلة وجوده وتوحيده منذ الخلق الأول.
(عن أبي بن كعب في قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم...) قال فجمعهم له يومئذ جميعا ما هو كائن الى يوم القيامة، فجعلهم في صورهم، ثم استنطقهم فتكلموا، وأخذ عليهم العهدَ والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى.. الآية، قال فاني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم اباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، اعلموا انه لا إله غيري ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئاً، واني سأرسل اليكم رسلا يذكروكم عهدي وميثاقي، وانزل عليكم كتبي، قالوا: نشهد انك ربنا والهنا لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، فاقروا له يومئذ بالطاعة..) ابن كثير 2/254.
 وبقي هذا الاعترافُ ثابتاً في عمق الفطرة الانسانية فوق كل المعارف والعلوم والابداعات، فمثلا:عندما سُئل اعرابي: بمَ عرفت ربك؟ فأجاب: البعرة تدل على البعير، والأثر يدلُ على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، لايدلان على اللطيف الخبير؟ فهذا الجواب هو نبض الفطرة التي تنبض بوجود الله عز وجل، والاقرار بتوحيده، وهو العهد الذي أوثق الله في أعناق البشرية عامة.
(وقيل: عهود الله ثلاثة، عهد أخذه على جميع ذرية آدم بأن يقولوا بربوبيته، وعهد أخذه على النبيين بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وعهد أخذه على العلماء بأن يبيّنوا الحق ولا يكتموه) تفسير البيضاوي 1/265.
الثاني: الرأي القائل: بأن العهدَ يتمثلُ فيما رسمته السماء من خط تشريعي وبرنامج عملي لضبط السلوك الانساني على كافة مستوياته ومجالاته (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) المائدة/ 48.
وهذه الشريعة والمنهاج العملي للانسان، يعالج كافة قضاياه على مستوى العبادة وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، التي رسم الله تعالى لها حدودها وضوابطها، والزم الانسان بمراعاة تلك الحدود فقال عز وجل: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) النساء/14. وقال تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) البقرة/ 229.
فما من حركة أو تصرف أو واقعة إلا ولله فيها حكم وضابط من الأمر أو النهي من امتثله فقد وفا بالعهد، ومن خرقه فقد خان العهد، ويستطيع المتتبع أن يستقرئ نظام الشريعة وضوابطها في كثير من أمثلة الحلال والحرام في الاسلام، ليضع يده على مفردات هذا العهد المأخوذ على بني آدم، والمبينة في مواضعها.
الثالث: إن الآية تناولت اليهود الذين أخذ الله عليهم ميثاقا في توراتهم بالاعتراف والاقرار بنبوة النبي محمد (ص) كما في خطاب الله لبني اسرائيل من قبل: (اوفوا بعهدي أوف بعهدكم).
قال الطبري: (والصواب عندنا في القول فيه وهو في هذا الموضع عهد الله ووصيته التي أخذ على بني اسرائيل في التوراة أن يبيّنوا للناس أمر محمد (ص) انه رسول، وانهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة انه نبي الله وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند الله، (اوف بعهدكم) وعهده اياهم انهم اذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة..) تفسير الطبري 1/250.
ولكنهم في النهاية وقفوا في وجه الرسول (ص) ناقضين العهد ومتحدين القيم الانسانية، والى هذا اليوم يخرق اليهود كل نواميس وعهود الانسانية، وتستمر أحقادهم على المسلمين وعلى كل مقدسات الاسلام. الامر الذي يدعو المسلمين للوقوف أمام مسؤولياتهم تجاه هذه الشرذمة الحاقدة والمغضوب عليها في السموات والأرض.
ومن يرد أن يغضبَ الله فعليه أن يكرّس جهدَه في تعرية موقف هؤلاء من كل القيم الانسانية، حتى يقيّض اللهُ لهم من يذيقهم الذلة والمسكنة والهوان.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=206666
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 08 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 08 / 18