حين يهيمن اللا مسؤولون على القرار، يتحول النهران إلى صحراء، وتتحول ارض العراق الى مساحات جرداء.
سُئل الأديب الروسي أنطون تشيخوف عن طبيعة المجتمعات الفاشلة، فأجاب:
"في المجتمعات الفاشلة يوجد ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية. تظل الغالبية بلهاء دائمًا وتغلب العاقل باستمرار. فإذا رأيت الموضوعات التافهة تتصدر النقاشات في أحد المجتمعات، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدًا".
هذه الكلمات، التي كُتبت قبل أكثر من قرن، تجد اليوم صدى واضحًا في التجربة الديمقراطية العراقية بعد عام 2003، حيث أفرزت صناديق الاقتراع نخبة سياسية عاجزة عن إدارة الموارد وحماية البيئة.
فعلى أرض بلاد الرافدين، التي تتغذى من نهرين تاريخيين، أصبحت ندرة المياه واقعًا مريرًا يهدد المدن والقرى على حد سواء. ومع تفاقم التغير المناخي وضعف المفاوضات مع دول المنبع، بدأ دجلة والفرات ينحسران بشكل غير مسبوق، حتى ظهرت في قاعهما جزر رملية ومجاري جافة لم يرها العراقيون منذ عقود.
أما الأحزمة الخضراء التي كانت تحمي المدن من العواصف الترابية وتخفف الحرارة، فقد تعرضت لتجريف واسع، تاركة البلاد عرضة لموجات حر قياسية. ومع انحسار المياه، تراجعت الزراعة، وارتفعت نسب البطالة، وازدادت الهجرة من الريف إلى المدن، مما فاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
النتيجة: بلد غني بالأنهار والنفط، يعيش اليوم أزمة بيئية خانقة، وسط تهديدات بعقوبات دولية وأزمات اقتصادية واجتماعية متصاعدة، بينما تستمر القضايا التافهة في تصدر المشهد السياسي والإعلامي.
هكذا تتحقق نبوءة تشيخوف: حين يتصدر التافهون المشهد، يُهدر العقل، وتضيع الموارد، ويتحول التاريخ العريق إلى حاضر مأزوم ومستقبل مهدد بالانفجار.
|