لا نعتقد بأن من يسلك طريق الشهادة سينتظر شيء أكثر من انتظاره لفرحة اللقاء ببارئه (عز وجل) ليظهر له مقدار الحب والشوق اليه، وفرحته بلقائه ليجيبه جل وعلا بقوله: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)) آل عمران.
وعلى هذه القاعدة فان طريق الشهادة لا يمكن أن يسلكه غير أصحاب الشوق الإلهي والطمع بفرحة لقاء الله، وكما هو عظيم أن يترك المرء ما لديه من عطايا الدنيا ليرحل باتجاه النعيم المقيم مؤسساً لغيره مسيرة بأن الحياة في ظل الكرامة نصرا لكل قيم الحق، وان رفضها في وقت التسلط والاستعباد هو وضع حجر الأساس لزوال الطغاة.
إن السائرين بهذا الطريق وان وصلوا الى مبتغاهم من نيل الدرجات العلى ولكن بقيت لديهم أنظار يوجهونها صوب من خلفهم ليروا ما هم فاعلين، (وهنا بدلالة القران الكريم بقوله كونهم أحياء يرزقون)، ولدينا من الأحاديث والروايات من التواتر ما يؤكد صحة ذلك بزيارة روح المؤمن الى أهله بعد وفاته ورحيله، فان وجدهم على خير سُر، وان وجدهم غير ذلك حزن.
فما بالك بمن تركهم في سبيل أهداف رسمها مع الكثيرين، واتفقوا على إكمال كل واحد منهم مسيرة الآخر وهي مسيرة لا تجمعهم إلا ضمن صفقات التجارة الإلهية والعقيدة السمحاء، ولك أن تتصور كم هو حزن الشهداء عندما يجدون أيتامهم قد ضاعوا في مجالس مجتمعاتهم أو في ضجيج السياسة العمياء بعد أن كان هدفهم أسمى من مناصب محدودة أو سياسات دنيوية.
إننا متيقنون بأن دعاء الصالحين مستجاب، ولعل الشهداء في أول المقدمين في منزل التقريب والتقرب من الباري عز وجل، فما بالك إن كان دعاء هؤلاء الشهداء علينا بالويل والثبور لما فرطنا بأماناتهم من تهاون في تضييع الحقوق، لنشتغل بإعادة القتلة تحت غطاء (المساءلة والعدالة) تحت ذريعة إن لهؤلاء البعثيين القدامى أطفالاً وعوائل، وكأن الشهداء لم يكن لهم من هذا القبيل شيء، وكأن وصية الشهداء أن نهتم بعوائل من شارك في قتلهم، أو من رضي بذلك ونترك عوائلهم على قارعة الرصيف.
ما هكذا يرد الدين لهم وما هكذا نجازيهم يا أخوتي، ونحن لا نريد أن نلقي التهم جزافا، أو نحرم العوائل العراقية حتى وان كانت واقعة تحت ولاية أب سار في طريق البعث، لكن كان من الأجدر بنا أن نفكر مليا كيف ننصف المظلومين من عوائل الشهداء، ونتفانى في خدمتهم بدلا من أن نسهر الليالي طولا وعرضا من اجل الوصول الى قانون يعيد البعثيين الى مواقعهم، أو يعطيهم من الحقوق ما لم تحصل عليه عائلة شهيد واحدة بدون مبالغة؟!
حذار يا أعزتي من حزن الشهداء ، فحزنهم ليس بالهين على من في السماء ولا من في الأرض، ولرب دعوة مستجابة لهم تعيدنا الى الوراء بزمنٍ بعيد بعد أن فشلنا في حمل قيم الشهادة التي سارت فيها أنفس شح.
|