هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، اختلف في محل ولادته، فقيل ولد في مدينة (أفشنة) من قرى بخاري بعد أن تزوج والده هناك، وقيل ولد عام 373هـ في إحدى قرى (بلخ) من امرأة اسمها (ستارة)، ثم هاجر والده مع ابنه وزوجته الى (بخارى)، وارتحل الى الرفيق الأعلى يوم الجمعة في شهر الله الأعظم عام 427هـ في مدينة همدان، ودفن هناك وعلى قبره بناء شامخ.
كان ابن سينا فيلسوفا منهجيا وصاحب مدرسة فلسفية ذات نظريات معينة، وكان من ألمع العباقرة وأعظم الحكماء والأطباء من المسلمين الذين برزوا في علوم الفلسفة والطب والطبيعيات، فذاع صيته في الشرق والغرب، وترجمت كتبه باللغة اللاتينية وغيرها، وأذعنت بآرائه الفلاسفة، وبنظرياته الطبية الأوساط العلمية، وسيطرت آرائه على المفكرين والفلاسفة، فقد كان طبيباً عبقرياً في العلوم الطبية التي اكتشف جوانب كثيرة منها؛ كما كان رياضيا فلكيا طبيعيا، كذلك كان منطقيا كبيرا، كشف آراء (أرسطو) المنطقية وهذبها، بالاضافة الى انه كان سياسيا، تولى الوزارة أيام (الملك شمس الدولة البويهي)، وخلاصة الكلام أنه كان شعلة وهاجة في الذكاء.
كان والده من مدينة (بلخ) التي كانت من أمهات مدن خراسان القديمة، ثم هاجر منها الى بخارى التي كانت من أعظم المدن الاسلامية القديمة المنتزعة قهرا على عهد الدولة الروسية القيصرية الغاشمة، وكان أهالي مدينة بخارى التي كانت عاصمة ملوك آل سامان معجبين بذكاء ابن سينا المفرط، رغم أنها كانت مكتظة بالحكماء والفلاسفة والأطباء.. وفي يومها كان قد باشر في معالجة أحد ملوك سامان وهو نوح بن منصور الساماني بعد أن فشل الأطباء الحذاق عن معالجته وهو أصغرهم سنا، لكنه أكثرهم علما وتطبيقا، وأصبح ملازما لبلاط الملك المذكور الذي شفي على يديه.
كان الشيخ الرئيس (ابن سينا) ماهرا في جميع العلوم، ودرس أغلب كتب (المعلم الثاني) الشيخ أبي نصر الفارابي وحفظها، ولم يشاهد فارغا طيلة حياته من مطالعة الكتب، وإذا عرضت له مسألة مهمة أو مشكلة عجز عن فهمها ولم يدرك معناها قصد (مسجد الجامع) فصلى فيه ركعتين بخضوع وخشوع فحلت المسألة عليه وعرفها من وقته.. حفظ القرآن المجيد وختمه وهو بعمر لم يتجاوز ست سنوات. قام بتصنيف القانون ولم يبلغ سنه ستة عشر عاماً. وعندما تضعضعت أركان دولة آل سامان، قصد أمير خوارزم وأصبح من خواصه. تصدق بجميع ما يملكه على الفقراء والمساكين، وأعتق عبيده ومماليكه بعد أن ظهرت آثار الموت فيه.. له تصانيف قيمة ثمينة منها القانون والشفا والاشارات، وله القصيدة العينية الخالدة:
هبطت إليك من المحل الأرفع * ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف * وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره اليك وربما * كرهت فراقك وهي ذات تفجع
أنفت وما ألفت فلما واصلت * ألفت مجاورة الخراب البلقع
وأظنها نسيت عهودا بالحمى * ومنازلا بفراقها لم تقنع
|