غني عن القول بأن للوازع الديني أبلغ الأثر في تهذيب النفوس واصلاحها وتنقيتها من أدران الرذيلة، وحض الأفراد على فعل الخير ومساعدة الاخرين، ولهذا لا عجب أن نرى الدين يقوم على دعامة أساسية تمثل جوهر وظيفته في الحياة وهي قاعدة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ومن هذا المنطلق يلعب الدين دوراً حيوياً في حفظ الاستقرار والأمن في المجتمع وتثبيت دعائمه، كلما كان الأفراد أكثر التزاماً بأوامره وطاعة لقواعده وتشبثاً بمبادئه.
وعلى هذا الأساس تضطلع دور العبادة بدور مهم في التهذيب الخلقي لأفراد المجتمع، لاسيما النشء الجديد منهم، وتنمية الرادع الذاتي لديهم، بحيث يقيهم من الانزلاق في مهاوي الانحراف والجنوح. وتعد التربية الدينية التي تقوم بها هي تربية متواصلة تمتد عبر مراحل عمر الانسان حتى الممات؛ وقد أثبتت الدراسات الميدانية في عدد من أقطار العالم، أن للدين والقيم الاجتماعية العليا أثراً مهماً في الحد من الجريمة، وأن الشباب المتمسك بالدين هم أقل عرضة للجنوح والانحراف من غيرهم.
وتعمل دور العبادة على نشر التعاليم الدينية التي جاءت لتنقل البشر خطوات فسيحة إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، وعدت المراحل المؤدية إلى هذا الهدف النبيل من صميم رسالتها، وان الاخلال بهذه الوسائل يعد خروجاً عليها وابتعاداً عنها، فليست الأخلاق من مواد الترف التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين ويحترم ذويها، ولهذا جاء في الحديث النبوي الشريف: (إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار).
وتؤكد دُور العبادة على دور الدين في الحياة الذي لا يقف عند حد الدعوة الى مكارم الأخلاق وتمجيدها، بل انه هو الذي يرسي قواعدها، ويحدد معالمها، ويضبط مقاييسها الكلية، ويضع الأمثلة للكثير من جزئيات السلوك، ثم يعزي بالاستقامة، ويحذر من الانحراف، ويضع الأجزية مثوبة وعقوبة على كلا السلوكين نصب العين.. وفي ضوء هذه الحقائق، يمكن عد الدين عاملاً مهما في منع وقوع الجرائم، ومن مؤيدي هذا الرأي كل من (دي كراف وهيمنس وايرزمة) ويذهب هؤلاء إلى أن هناك تلازماً بين الدين والقيم الأدبية.
وقد وضع (كراوس رايه) في العبارة القائلة: (إن الابتعاد المتزايد عن الله الذي يجتاح أكثر فأكثر طبقات كثيرة من الناس، وكذلك النظرة اللاأدبية إلى الحياة والعالم التي هي نتيجة للابتعاد عن الله، تكون الطبقة الحاجبة التي تزدهر فيها الجريمة والرذيلة، وان الروح الأدبية الصحيحة غير ممكنة بلا دين). ومن الاسباب التي تعطي دور العبادة قوتها في عملية ضبط سلوك الافراد وتصرفاتهم؛ كونها مزودة بصفة القدسية، ومن جهة اخرى فالناس انما يلتزمون بالقواعد الدينية التي تدعو اليها دور العبادة ويطيعونها هو نتيجة ارتباطهم العاطفي بالدين؛ لأنهم يشعرون بعاطفة الحب والتعلق بالدين، الأمر الذي يجعله اداة ضبط في المجتمع، فضلاً عن كونه يغذي روافد التظهر والعفة الذي يصون الحياة ويعلي من شأنها.
ولهذا جاء في القرآن الكريم في مواضع عدة ان الله سبحانه وتعالى بشر عباده الذين يقومون بفعل الخيرات وعمل الصالحات بالجنة كقوله تعالى: (إنّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)، ووعد بالعذاب الأليم لمن يقوم باقتراف المحرمات وارتكاب الموبقات والافساد في الأرض، ويتجسد ذلك في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ). وتعمل دور العبادة على نشر الأخلاق الفاضلة في المجتمع التي هي عماد الدين، فالأخلاق هي قوام المجتمع الفاضل الذي ينشد الرقي والتقدم والصلاح.
|