عالمٌ باللغة، الفقه، مجاهد، عاشق العراق، مجدّد في الشعر؛ الاغتراب، والألم، والحنين تميّز ما أبدعه الشاعر السيد مصطفى جمال الدين.
في قرية تغفو على أطراف الأهوار (قرية المؤمنين) في كرمة بني سعيد، على مقربة من سوق الشيوخ، سوق الشعر، سوق النخيل، سوق الماء... ولد السيد مصطفى جمال الدين في يوم 5-11-1927 عاش طفولته يتعلم القرآن الكريم على يد الكتاتيب، وبعد الصف الرابع في ناحية كرمة بني سعيد توجه إلى الدراسة الحوزوية في النجف الاشرف.
تتلمذ على يد أعظم الفقهاء السيد ابو القاسم الخوئي، والشيخ محمد أمين زين الدين، شكّل السيد مصطفى جمال الدين رابطة أدبية (أسرة الأدب اليقظ) التي ضمّت مجموعة لامعة من العلماء الأدباء (الشيخ د-صالح الظالمي، السيد د- محمد بحر العلوم، والشيخ ضياء الخاقاني، والسيد حسين بحر العلوم، والشيخ محمد الهجري، والشيخ جميل حيدر...) عاد الى مدينته عام1953 بعد رحيل جده، بعد أن أسس له موقعاً مميزاً بين علماء وأدباء النجف الاشرف، وتسنّم عمادة جمعية الرابطة الادبية حتى حلها بداية تأسيس كلية الفقه عام 1958، التي قُبل فيها طالباً ليتخرج منها عام 1962، ويصبح معيداً في نفس الكلية، ليحصل بعدها على شهادة الماجستير عام 1972، ومن ثم الدكتوراه بدرجة امتياز.
عمل مدرّساً في كلية الآداب جامعة بغداد حتى عام 1981، بعدها غادر وطنه العراق الى الكويت التي لم يمكث فيها طويلاً، ثم إلى بريطانيا، وعاد إلى الكويت ثانية، وبسبب المضايقات، اضطر إلى تركها متجهاً إلى سوريا التي تعجّ بالعراقيين،وكان دوره الوطني كبيراً شهدت به جميع الأوساط السياسية والاجتماعية فكان عوناً لهم بمهجرهم، وموئلاً لحل جميع مشاكلهم، وكان مأوى الأفئدة التي تهفو إليه، ساعياً للوقوف إلى جانبهم بكل شاردة وواردة، لما له من حسن جاه لدى السوريين..
تميّز شعره بالأصالة، والجدة، كما وضح بأنه وظف الكثير من قصائده في صراعه المتعدد مع الجهات الدينية لتطوير المناهج، وكذلك موقفه من النظام السياسي في العراق. إلا أن دراسته الدينية في النجف الأشرف، مع شغفه وولعه وحبه للشعر، دفعا به للتعرف على شعراء العراق المعاصرين، أمثال: السيَّاب، والبياتي، والجواهري... لكن كان الجواهري أقرب له.
أما عن شعره؛ فأنه يمتاز بميزة، وهي المزج بين الشعور الوطني والغزل، وله مبادرات إنسانية معروفة يتفاعل فيها مع الحدث الحياتي.
ويصفُ السيد مصطفى جمال الدين ألمه وألم شعبه في المحنة العراقية بأسلوب أخّاذ، حفظته القلوب، وردّدته أينما حلت في مهاجرها... فقد تناول الاغتراب المكاني بشيء من القداسة والوهج الابداعي...
جارَتْ عَلَــيَّ بِحُكْمِها الأيـــــــامُ وَأنـا إلَيْك تَقودُني الأحْــلامُ
وَأراكَ ياوطَني الحبيبَ مُعاتِبــي وَأنـا اُعاتَـــبُ دائمــاً وَأُلامُ
ذَنْبي فراقُكَ يا عـــراقُ وَإنـــــه إثْـــمٌ تَهــونُ بِجَنْبِهِ الآثـــامُ
أنا ما هَجَـرْتُكَ يا عراق وَإنَّــــما قَـدْ جَرَّني لِفراقِكَ الإرْغـامُ
قاسَيْـــتُ آلامَ البُعــادِ وَشَفَّــــــني وَجْدٌ وَحُرْقَةُ مُبْعَــدٍ وَهيــامُ
أبْكي عَلَيْكَ وَرَمْلُ رَفْحَةَ شامِــتٌ وَيَلُفُّني مِنْ شاطِئَيْكَ غَــرامُ
عَيْني بَكَتْكَ وَلَمْ تَذُقْ طَعْمَ الكَرى وَخَصيمُها وَقْتَ المَنامِ مَنامُ
وَكَأنَّ ما بَيني وَ بيـــنَ وِســـادَتي هَجْـرٌ وَطولُ تَنافُرٍ وَخِصامُ
وَسِنينُ يوسُفَ عِشْتُ منها أربَعا وَأمَرَّ منها مَرَّتِ الأعــــوامُ
لقد ألمّت به المعاناة، لما أصاب شعبه من ظلم وقسوة وجور وحصار وتشريد، وداهمه المرض في سوريا، ليغادر الحياة الفانية، وينتقل إلى الرفيق الأعلى مجاهداً مقاوماً تاركاً خزيناً إبداعياً خالداً في يوم الاربعاء 23-10-1996 ليصبح حي السيدة زينب ويعج بالألم ومرارة الرحيل... إستذكره أبناء شعبه بمهرجانات أدبية بعد الحرية في بغداد، والنجف الاشرف، وأخيراً المهرجان الأول للسيد مصطفى جمال الدين في سوق الشيوخ من1-2-12-2009 بحضور نخبة من شعراء وأدباء العراق في كرنفال خلد سيرته العطرة....
|