• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : أخبار وتقارير .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : (ظاهرة الترادف) وأثرها الدلالي في اللغة والقرآن الكريم (3) .
                          • الكاتب : كريم شلال نعمه .

(ظاهرة الترادف) وأثرها الدلالي في اللغة والقرآن الكريم (3)

  يبقى للترادفِ إمكانية الوجود في لهجتين مختلفتين، وهو ترادفٌ غير مقصود، كقولنا عن (العِهن) إنه هو الصوف نفسه، وإن كل قبيلة سمّته اسما مختلفا عن الاسم الآخر، ومع ذلك نجد من يتساءل: لِمَ وردت كلمة (العهن) في القرآن، ولم ترد كلمة الصوف؟ هل كلمة (العهن) أوضح بيانا للمعنى المراد تبيينه من كلمة الصوف، ولماذا؟ ويمكن أن يكون لدلالات أصوات الحروف المنطوقة مواقع للسمع أنسب من مواقع أخرى عند المستمعين، وهذا ما يدخلنا فيما للصوتيات من آثار في وضع المعاني في أمكنتها المناسبة؛ اعتمادا على أجراس ألفاظها المتباينة، وإن تشابهت معانيها أو ترادفت. ونحن إن أمعنّا النظر في الأبكم؛ كيف يخاطبُ الناسَ بالحركات والإشارات والإيماءات، وان كل حركة أو إيماءة يقوم بها تختلف، ولو قليلا، عما يشبهها، لتبينا أن كل إشارة وكل حركة تعني عند الأبكم معنى خاصا يودّ التعبيرَ عنه، فكيف بالشخص الناطق الفصيح، الذي يمتلك أساليبَ التعبير البليغة، إضافة إلى حركات يديه ورأسه، مع تعابير وجهه وانفعالاته، أنراه يؤمنُ بالترادفِ اللغوي!

 ولقد تخيّر القرآنُ من لغة العرب ألفاظه، ولكنه إنما تخيّرَ ألفاظاً سهلة ميسورة، ذات جرس صوتي جميل، وبنية ذات دلالة مفهومة للعربي المخاطب بها آنذاك، ثم ارتقى القرآنُ بتلك الألفاظ في تراكيب لغوية ذات نظم معجز جديد، لا عهد للعرب والعربية به، فبهر العربُ ببلاغته، وأسرهم بفصاحته، فآمن من آمن، وأنكر من أنكر، ولقد تحدّى القرآنُ المنكرين أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، مع حرصهم على عداوة الإسلام منذ اللحظة الأولى لانطلاقه.
ولكي نفهم – نحن العرب والمسلمين – كتابنا الذي شرفنا الله تعالى به، لابد لنا في الخطوة الأولى من فهم معاني ألفاظه، لتحديد دلالتها بدقة، ذلك أن طبيعة الحياة العربية بما كان فيها من تعدد قبلي ولهجي وطريقة جمع ألفاظ العربية، كل ذلك ترك ظواهر متعددة، اضطرب لأجلها المعجمُ العربي شيئاً ما، أما المعجم القرآني فهو محكم، ويرتبط بإعجاز القرآن ذاته، يقول الراغب الأصفهاني: (أول ما يُحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه كتحصيل اللَّبِن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع فألفاظ القرآن هي لُبُّ كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم…).
 ولغة القرآن المحكمة ذات نظام خاص في المفردات والتراكيب والإيقاع، ودلالة الكلمة في التركيب القرآني ذات ظلال وإيحاءات سياقية، لذا لا يكفي لتحديد دلالتها الإحتكام إلى المعجم فقط، بل يجب الاحتكام إلى النص والسياق؛ كما تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن: (وواضح أنه لا سبيل إلى دراسة أي نص في لغة ما دون فقه لألفاظه في لغته، ثم يكون للنص بعد ذلك أن يحدد لكل لفظ دلالته الخاصة من شتى الدلالات المعجمية أو يضيف إليها ملحظاً ينفرد به، والقول بدلالة خاصة للكلمة القرآنية لا يعني تخطئة سائر الدلالات المعجمية، كما أن إيثار القرآن لصيغة بعينها لا يعني تخطئة سواها من الصيغ في فصحى العربية، بل يعني أننا نقدّر أن لهذا القرآن معجمه الخاص وبيانه المعجز، فنقول إن هذه الصيغة أو الدلالة قرآنية، ثم لا يُعترض علينا بأن العربية تعرف صيغاً ودلالات أخريات للكلمة) .
وليس من شأن هذه الدراسة أن تنكر وقوع الترادف في العربية التي ورثناها شاملة كلَّ كلام العرب، ولكن الأمر هنا يتعلق باستعمال القرآن للألفاظ، وهل وافق القرآن العربَ في استعمال تلك الألفاظ المترادفة بمعنى واحد، كما استعملوها حين اختلطت اللهجات وتداخلت، أم أن القرآن – مع عربيته – ذو أسلوب مميز فريد في استعمال كل لفظ بمعنى محدد لا يقوم غيره مقامه في سياقه الوارد فيه؟
فأساس البحث هو عن الفروق والظلال الدقيقة التي بين ألفاظ عدّها اللغويون مترادفة مما استعمله القرآن، وذلك مع وعورة مسلكه بحث في إعجاز القرآن لا ريب، ذلك أن (تحديد المعاني من أعظم أسباب الإجادة في صناعة الكلام، فما أجل خطره حينما نستطيع أن نعرف في لمحة الكلمة التي يتطلبها التعبير دون غيرها، أو التي تصور ما في النفس تصويراً صحيحاً، لا أن نختار من طائفة من الكلمات أية كلمة كيفما جاءت، ظانين أن كل واحدة منها كفيلة بأداء المراد).
وينبغي أن نستحضر هنا دائماً أننا أمام نص محكم معجز؛ وضع كل حرف وكل لفظ فيه بنظام دقيق، لأنه كلام الله تعالى وصفته، وإذا كنا لا نجد في خلق الله تفاوتاً أو شذوذاً كما خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكما أحسن سبحانه كل شيء خلقه، فهل يمكن أن نجد شيئاً من ذلك فيما هو أكمل من ذلك، في كلامه وصفته؟ لهذا كله سنعدّ الاستعمال القرآني للغة هو المقياس الذي نحتكم إليه، مع الاستبصار باستعمال العرب للغة ؛ لأن القرآن إنما أخذ منها أجمل ما فيها من ألفاظ وأساليب.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=206247
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 07 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 08 / 2