قال تعالى في قصّة نبي الله صالح عليه السلام : [ فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ ] الأعراف ٧٩
النصيحة : هي إرادة الخير للآخر ، وهي تحرّي فعل أو قول فيه صلاح صاحبه .
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله : [ الدين النصيحة ] . وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : [ إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه ] .
ولقد مارس هذا الدور جميع الأنبياء والأولياء والصالحين ، وما عاشوراء إلا امتداداً لهذا الدرب الرسالي الطويل ، بل علامة فارقة فيه ، فلم يبخل أبو عبدالله بالنصح لأمة جده صلى الله عليه واله ولم يدّخر جهداً ومن معه حتى قدّموا في سبيل ذلك أرواحهم وسالت دمائهم في عرصات كربلاء .. وهذا المعنى يذكره لنا صادق العترة في زيارة أربعين جدّه الحسين صلوات الله عليهما [ وأعطيته مواريث الأنبياء ، وجعلته حجة على خلقك من الأوصياء ، فأعذر في الدعاء ، ومنح النصح وبذل مهجته فيك ، ليستنقذ عبادك من الجهالة ، وحيرة الضلالة ] ..
وذكر لنا التاريخ الخطب والكلمات التي نصح بها الإمام القوم ، وكذلك نقل لنا كلمات أصحابه وهم يمارسون نفس الدور مع أبي عبدالله عليه السلام ، حتى باتت كربلاء مسرح وعظ ومنبر إرشاد صدحت به حناجر هي أخلص ما يكون لله يومئذ وفي كل حين .. ولكن للأسف لسان حالهم هو :
أريد حياته ويريد قتلي × عذيرك من خليلك من مرادِ
قد أسمعت لو ناديت حيّاً × ولكن لا حياةَ لمن تنادي
فنجد هناك كلمة لزهير بن القين وكلمة لبرير ولحبيب بن مظاهر الأسدي .. ولأن أكثر الأصحاب هم من قرّاء القرآن وحملة الحديث وأصحاب فقه وبصيرة في الدين ، فنراهم على أعلى درجات الصدق والبلاغة والاستدلال بالقرآن الكريم .
فهذا حنظلة بن أسعد الشبامي وهو من أهل الكوفة يتقدم الى القوم بعد أن استأذن من الإمام للقتال ، فتقدم بين يديه وأخذ ينادي : [ يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب : ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ * وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ﴾. ياقوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب : ﴿ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى﴾ ] .
حتى قال له الحسين عليه السلام - مزكيّاً له نصيحته - : يا بن أسعد - رحمك الله - إنّهم قد استوجبوا العذاب حيث ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فکیف بهم الآن وقد قتلوا أخوانك الصالحين .
قال : صدقت ، جعلت فداك ، أنت أفقه منيّ وأحقّ بذلك ، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بأخواننا ؟
فقال عليه السلام : [ رح إلى خير من الدنيا وما فيها وإلى مُلك لا يبلى ] ، فقال السلام عليك أبا عبد الله ، صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعرّف بيننا وبينك في جنته ، فقال عليه السلام : [ آمین ، آمین ] .
فمما نتعلّمه من مدرسة كربلاء هو هذا الخُلُق الإسلامي العظيم ، النصيحة هي ثمرة من ثمرات كربلاء وأحد أسرار وجودها . أن تكون نصوحاً بمعنى أنك أخترت لنفسك أن تكون حسينيا ، ولا تقف كربلاء عند تقديم النصيحة ، وإنما مدرسة كربلاء تدعونا أيضاً الى أن نتقبل النصيحة مادام فيها صلاحنا وما فيه الخير لنا .. وإلا فسنكون في معسكر عمر بن سعد من حيث لا ندري .. فهذه صفتهم والعياذ بالله .
|