كتابات في الميزان / استغلال النفوذ الانتخابي في العراق أصبح سمة بارزة في الحملات الانتخابية الحالية، حيث ظهرت مؤخراً حالات لمرشحين يستغلون علاقاتهم بالمسؤولين الحكوميين لترويج للتعيينات الحكومية.
تعيش الأوساط العراقية حالة من الغضب والجدل، بعد بروز مرشحين يروّجون لتعيينات حكومية مستغلين نفوذهم السياسي وعلاقاتهم مع مسؤولين بارزين.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق خلال الأيام الماضية، بمقطع مصور للمرشح صلاح الكرغولي ضمن تحالف وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي.
وظهر الكرغولي في المقطع وهو يدعو أهالي منطقته إلى تقديم طلباتهم للتوظيف بصفة “ضابط”، مشيراً مباشرة إلى علاقته بالوزير نفسه.
واثار الفيديو للمرشح عاصفة من الانتقادات، وسط مطالبات بإقصاء المرشح وفتح تحقيق رسمي بممارسات تعد انتهاكاً صارخاً للنزاهة الانتخابية.
نظام صارم
في هذا السياق، قال المستشار القانوني لمفوضية الانتخابات حسن سلمان إن المفوضية وضعت نظاماً خاصاً للدعاية الانتخابية يتضمن منع استغلال المال العام أو النفوذ الحكومي.
وأكد سلمان أن “أي مرشح يثبت عليه خرق يرقى إلى مستوى الجريمة الانتخابية قد يستبعد من السباق، بناءً على تقدير مجلس المفوضين”.
رصد الخروق
وأوضح أن “هناك لجاناً مركزية وميدانية تعمل على رصد الخروقات، بالتعاون مع هيئة النزاهة التي تم توقيع مذكرة تفاهم معها لهذا الغرض.
وبين أن “التنسيق مع الهيئة أساسي لرصد كل تجاوز من المرشحين على موارد الدولة أو سلطاتها، سواء في المشاريع أو الوظائف أو استخدام الأبنية والمقار الرسمية”.
ومع انطلاق الموسم الانتخابي، سجّلت عدة حالات استغلال نفوذ، عبر تقديم خدمات مثل إكساء الطرقات والتبليط، والترويج لتعيينات وهمية أو غير خاضعة للمسارات القانونية.
وتقول مصادر في المفوضية إن هذه الظاهرة دفعت إلى تعزيز التعاون مع الجهات الرقابية والقانونية، لمواجهة محاولات “شراء الولاءات” بوسائل غير مشروعة.
ويرى مختصون أن كثيرًا من المرشحين يعمدون إلى هذه الأساليب لاستغلال مستويات البطالة المرتفعة، خصوصاً في المناطق الفقيرة والمهمشة، حيث تتحول التعيينات إلى وسيلة مباشرة للتأثير في خيارات الناخبين.
دعوات لإجراءات صارمة
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي علي ناصر إن “المفوضية مطالبة بأن تكون أكثر حزماً تجاه المرشحين الذين يستغلون حاجة المواطنين ويسخّرون مشاريع الدولة لحملاتهم”.
وأضاف ناصر أن “هناك استغلالاً واضحاً حتى في ملف الرعاية الاجتماعية، إذ يحاول البعض تسويق نفسه بواسطة التوسط في إطلاق البطاقات أو الرواتب، وهي ممارسات لا تقل خطورة عن شراء الأصوات المباشر، لأنها تنتهك ثقة الناس بالمؤسسات”.
ومن المقرر أن يشهد العراق انتخابات نيابية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وسط مشاركة واسعة من الكتل السياسية، وتوقعات بتصاعد حدة المنافسة، خاصة بعد انسحاب التيار الصدري وعودة بعض القوائم الكبرى من بوابة تحالفات جديدة.
مسؤولون مرشحون
لكن ما يثير القلق، حسب مراقبين، هو ترشح نحو 16 وزيراً من الحكومة الحالية، إضافة إلى عشرات المديرين العامين والمستشارين، فضلًا عن غالبية النواب السابقين، وهو ما قد يضفي طابعاً غير عادل على السباق، نظراً إلى إمكانية تسخير موارد الدولة في خدمة بعض المرشحين.
من جهته، قال الخبير القانوني محمد العبدلي إن “قانون انتخابات مجلس النواب النافذ يمنع بشكل صريح موظفي الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية والعسكرية، من استخدام نفوذهم أو موارد الدولة لأغراض انتخابية”.
وأضاف العبدلي، أن “هذا المنع يشمل التعيينات والخدمات المباشرة والترويج باسم الوزارات، وتصل عقوباته إلى الحبس والغرامة، لما تمثله من خرق لعدالة التنافس ومساس بثقة الناخبين”.
وأكد أن “النجاح الحقيقي للانتخابات لا يتحقق فقط بإجرائها، بل بتكافؤ الفرص وضمان حياد مؤسسات الدولة”.
وأشار إلى أن “غياب المساءلة في حالات كالتي شاهدناها أخيراً يشجع على تكرارها، ويضعف الإيمان بالمسار الديمقراطي”، وفق قوله.

|