تُقدِّم التجربة العراقية المعاصرة نموذجًا صارخًا لكيفية استثمار فلول الطائفية والبعث والدونية لكل حدث وواقعة وتحدٍّ داخلي أو خارجي، في سبيل أجنداتهم التخريبية ومخططاتهم الشريرة ورؤاهم الحاقدة والمنكوسة التي تستهدف العراق، وهويته الوطنية الأصيلة، وكرامة أغلبيته الشعبية، وكيانه الجامع المتمثل بـ"الأمة العراقية".
ورغم كل ما نالوه من امتيازاتٍ وفرصٍ لم يحلموا بها زمن دكتاتوريتهم البائدة وسنواتهم العجاف، لا يزالون يستنجدون بقوى الخارج لإسقاط التجربة الديمقراطية، والعودة إلى مربّع الطغيان والدموية والطائفية والتخلف والفقر والعوز... ؛ وكأن عقودًا من الخيانة والارتهان لم تكفِ كي يرتدعوا أو يفيقوا.
ها هم اليوم يعيدون الكرّة ذاتها: يتواصلون مع المخابرات الأجنبية والاقليمية ، ويُراهنون على أنظمة الاستكبار والاستعمار ، ويصطفّون إلى جانب أعداء الشعب، طامحين إلى هدم كل ما بناه العراقيون بدمائهم وتضحياتهم الجسيمة ، ومجددين خيانتهم تحت شعارات زائفة كـ"الوطنية ومقاومة المحتل " و"النزاهة ومحاربة التبعية "... ؛ وهم يعلمون علم اليقين أنهم لا يملكون مكانًا في قلوب الجماهير، ولا جذورًا في أرض الوطن؛ فمكانهم الطبيعي هو دهاليز المخابرات، ومهاجر الذل، ومنافي الخزي والعار .
إنهم ليسوا سوى شراذم مريضة وأدوات مستهلكة في مشاريع الآخرين والاعداء ... ؛ و مصيرهم النسيان، ومآلهم الإهانة، بينما يظلّ الوطن شامخًا بأبنائه الشرفاء الاصلاء ، الذين لا يبيعون ترابهم ولا يستبدلون شرفهم، مهما علت الإغراءات واشتدت الضغوط؛ فالجذور لا تُباع، والشرف لا يُشترى.
حين خان أبناء الداخل أهلهم
من المؤسف أن تاريخنا السياسي والاجتماعي حافل بمثل هؤلاء الانذال الاوغاد ؛ فحين تسلّطت بعض الأقليات الهجينة على الحكم، استعانت بدونية بعض أبناء الأغلبية: فسلّطوا البعثي الشيعي على الشيعي الحر، والكردي المرتزق على الكردي الوطني، والعربي المتصهين على العربي المقاوم... ؛ فتمزّق النسيج الوطني العراقي بأيدي الخونة من الداخل، أكثر مما مزقته أيادي الغزاة من الخارج.
لقد ارتكبت المجاميع البعثية والطائفية جرائم بشعة ومجازر مروعة، قبل عام 2003 تحت عباءة السلطة، وبعده تحت راية "مقاومة الاحتلال" و"تطهير العراق من الروافض والمجوس"!
الخيانة بوصفها استعمارًا داخليًا
بات من الواضح أن القوى الاستعمارية، والمخابرات الأجنبية، والأنظمة الطائفية لا تحقق أهدافها إلا بأدواتها المحلية: من الخونة والدونيين والطائفيين والتكفيريين... ؛ فهم من يفتحون الأبواب للعدو، ويبرّرون الطغيان، ويقتلون أبناء جلدتهم فقط لأنهم اختاروا الكرامة على الخنوع، والوطنية على التبعية، والمقاومة على الخيانة.
فمن دمّر الجنوب؟ ومن أحرق مدنه؟ ومن ذبح أبناءه؟ أليسوا هم البعثيون الشيعة الذين خدموا صدام ضد طائفتهم؟ أليسوا هم أولئك الذين ارتضوا أن يكونوا كلاب صيد للحاكم؟ لقد لخّصت عقيدة الفئة الهجينة و شراذم القومجية والبعثية ؛ المقولة المشؤومة : "هد جلابهم عليهم" – أي دمّرهم بأيديهم!
لقد تقاتل الكرد مع العرب، والتركمان مع الكرد، والشيعة مع السنة، بفعل تحريض الخونة من أبناء الفئة الهجينة والطغمة الطائفية والقومجية والبعثية الذين زرعوا الفتنة وشوّهوا معالم الهوية والوحدة الوطنية.
وما إن سقط النظام الصدامي حتى ضاقت الأرض بهم، فهربوا إلى أسيادهم، ليتحوّل بعضهم إلى مرتزقة في اليمن أو البحرين، أو أبواق لأنظمة طائفية وإعلام مأجور يهاجم أهله ويدافع عن جلاّديهم، دون أن يتّعظوا من مصيرهم الأسود السابق .
المرتزقة الجدد والثأر القديم
التاريخ يعيد نفسه، فما زال الطائفيون والبعثيون و( الدونيون ) يشكّلون الطابور الخامس في كل أزمة وطنية: يحرّضون ضد الانتخابات، ويدعون للفوضى، ويتآمرون مع السفارات والاستخبارات، ويرفعون شعارات النزاهة، وهم لا يؤمنون بوطن ولا بشرف!
ومن كان متحولًا مذهبيًا، أو مقطوع النسب والأصل أو هجينا حاقدا ، فمكانه الطبيعي هو المنافي وكهوف الذل... ؛ فهؤلاء أشد خطرًا من العدو الظاهر، لأنهم يخترقون الجسد الوطني من داخله، ويزرعون السم في روحه.
الخلاصة: تطهير الجبهة الداخلية ضرورة وطنية
إن معركة العراق والاغلبية والامة العراقية ليست فقط مع الاستعمار الخارجي وقوى الاستكبار والاعداء ، بل مع الخونة الذين مكّنوه... ؛ إنّ الخونة أخطر من العدو، لأنهم يعرفون مواطن الضعف... ؛ ومواجهتهم لا تقل أهمية عن مواجهة المحتل، بل هي شرط للانتصار عليه... ؛ ولذلك، فإنّ على الأغلبية الوطنية والأمة العراقية الأصيلة أن تتطهر من الطفيليات الاجتماعية وأن تفعل ما يلي:
***تطهير الجبهة الداخلية: بفضح أساليبهم، وقطع تمويلهم، وكشف أدوارهم الإعلامية المشبوهة.
***العزلة السياسية والاجتماعية: بمقاطعتهم وفضح رموزهم وتسفيه شعاراتهم.
***التحصين الفكري والنفسي: ببناء مناعة مجتمعية ضد الطائفية والدونية والخطابات التكفيرية والعنصرية .
***العدالة والشفافية: ببناء دولة قانون حقيقية تسدّ الذرائع وتُنصف الجميع، كي لا يُستغل "التهميش" ذريعةً للخيانة.
|