الإهتمام بالموضوعات الوعظية تأخذ شكلها الأوضح عبر المعالجة الجمالية التي تؤسس لقراءات تتفاعل وقدرات الوعي مع قداسة المكان، الخلية الأم او الشبكة الموضوعاتية المنظمة، لكونه بحثيا يمحّص طرق التواصل والمعالجة الجمالية تأخذنا الى حيز تحديث الموضوعات البحثية بطرق خاصة مثلما سعى المنجز الى انجازها بآليات القص. تحاورات وعظية عبارة عن نصائح اب يقدمها الى ابنه، طريقة جادة تنهض بامكانيات تقديم المضمون عبر نهج بياني (كراس الدمع الحزين في آداب زيارة الإمام الحسين الصادر عن وحدة الدراسات ـ الاعلام ـ قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)، لتطل بنا لجنة البحث على مرجعية السعي الشعوري العام الى المفاخرة بسعة الاستئثار (الهوية) الاسلامية التي تمثل الانتماء ثم الى مستخلص فكري هو المنهج الحسيني الرصين، مبتعدين عن نمطية الطرح مع محاولة توسيع دائرة التأثير بتحويل هذا الانتماء والهوية الى مساعي سلوكية تحمل ترسانة من المفاهيم بالزيارة والاجتماع عند قداستهم لتلاوة الدعاء.
وبما أن الأثرَ الإبداعي يعبّر عن عدد من المنافذ الفكرية المرتبطة جذرا لابد من تهيئة المشاهد المؤثرة ـ عدة خطوط تتجلى فيها قداسة المرقد الحسيني الواهب - منها ما يذهب باتجاه الجذر التكويني لهذه القداسة؛ وهو القرآن الكريم، وما أتى فيه من معاني تزيد اواصر التلاحم الايماني. ومنها ما يذهب باتجاه واقعة الطف المؤلمة يظهر لنا ملامح التعالق المصيري والتأمل في صرامة الواقع التاريخي.
وقد حاولت هيئة التأليف رسم ابعاد جوهرية عبر استرجاع ذهني متخيل يجسّد معنى التصابر (الرؤيا) وما يسميها بالتذكر لإظهار جوهر البصيرة المتمثل بوقفة السيدة زينب بنت علي عليها السلام، وهي تقف بذات الفسحة المكانية التي يقف عندها الزائر وحولها الأجساد المتناثرة... منهج واع يبث في الروح حيوية النداء، ليعيد لنا دلالة حكمتها: (اللهم تقبّل منا هذا القربان) ويحمل تلك الخطوات ايمانا سلوكيا ينصح بها الأب ليعرف ولده فضائل الحسين ع، أي يقرّب له معاني اليقظة، ويحفز فيه شرف الزيارة والوقوف امام القداسة بسكينة تليق بهذا الوقار المطمْئن... مسندات معرفية تقرأ لنا النموذج المقدس وامتداداته الجذرية الرسالية، يذكر (يعلي بن مرة) انه رأى الرسول (ص) وسمعه وهو يقول: (اللهم أحب حسين واحب من يحب حسين ـ حسين سبط من الاسباط). ثمة معاني عديدة تكمن داخل هذه الاستشهادات الرسالية لتقرب لنا الصورة الأسمى لمكونات الشخصية المقدسة ـ عن الامام ابي عبد الله عليه السلام ـ قال النبي (ص): (من أبغض الحسن والحسين جاء يوم القيامة وليس على وجهه لحم، ولم تنلْه شفاعتي). وعن الامام علي كان رسول الله (ص) يقول: (يا علي أذهلني هذان الغلامان أن أحب بعدهما احدا ابدا، إن ربي امرني ان احبهما واحب من يحبهما).
نقطة مركزية كونت المحور الارتكازي لمفهوم المحبة، وردت في عدة قراءات منها لعمران بن الحصين: أكل هذا الحب للحسين يا رسول الله؟ فكان الجواب: يا عمران ما خفي عليك أكثر، ان الله امرني بحبهما. وقراءة عبد الله بن مسعود لهذا الحب الإلهي: سمعت رسول الله (ص): (من كان يحبني فليحب ابني هذين فان الله أمرني بحبهما). وكذلك عندنا قراءة ابي ذر الغفاري (رضي اللهُ عنه) ثم نذهب الى المعنى الأشمل نحو مبدأ المكافأة، الثواب الإلهي لنقرأ المستخرج من النتائج وصولا الى شبكة علاقات جذرية منها الامتداد الى ثواب التواصل يقول (هارون المكفوف) سأل رجل ابا عبد الله الصادق عليه السلام: ما لمن زار قبر الحسين ع؟ فأجابه (ع): وكّل اللهُ بالقبر اربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون الى يوم القيامة يباركونه، وله حجة وعمرة حتى عد عشرا. وهناك المزيد من هذه الجوائز الربانية؛ دنيوية كالبركة واخروية كالشفاعة...
وسعى البحث الى اظهار هشاشة التعذر من الزيارة بذرائع التمنع، فما للزيارة اعظم وهو الاطمئنان الاخروي: (ما تقول فيمن زار أباك على خوف؟ أجاب امامنا الباقر (ع): يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر، وتتلقاه الملائكة بالبشارة ويقال له: لاتخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك. وتبدأ الاستشهادات الدالة على معنى تحدي الوجل والخوف والمنع تهيمن على مفردات فصل من فصول المحاورة... ثم تتوسع شبكة التحاور لتمتد الى محور موضوعي آخر وهو مدلولات الانفاق... مستوياتها المادية وانعكاساتها النفسية والمعنوية كوسيلة لإظهار مزايا الجائزة الربانية، ونسب التوفيقات المخصصة مع وجود أدلة حياتية تكشف فاعلية اللقاء والابتقاء.
سؤال: يا بن رسول الله هل يُزار والدك؟ أجاب الامام الصادق عليه السلام: نعم ويصلى عنده ويصلى خلفه ولايتقدم عليه... فما لمن اتاه؟ أجاب عليه السلام: الجنة...
تتوزع البحث ثيمات المفاهيم المتنوعة، والتي تؤدي الى وحدات المعنى الكلي علائق ذات خصوصية تنفرد كل منها بمنطقة وتصب جميعها في الموضوع الكلي، ومن ضمن هذه الروافد التي استحضرها البحث هي معرفة حق الإمام. طالما كان الأئمة ع يحثون على معرفته، فنجد أن ثيمات البحث السردي عبارة عن اضاءات حكيمة...
قال الامام الصادق عليه السلام: من أتى قبر أبي عبد الله عليه السلام عارفا بحقه غفر اللهُ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر... وهكذا يتكرر الناتج عند جميع الأمة لكونه مبدئيا... وتأخذنا تلك المحاور الدلالية الى موضوعة السمو لندرك من خلالها ان العتبات المقدسة ليست متاحف للفرجة التاريخية، وليست لها منافذ تفتح عند محصلات الثمن المخصص لزيارتها، وانما تتطلب تلك المراقد معابر خاصة تؤدي اليها، وهذه المعابر هي حقوق نجتاز بها اختبارات القبول، ومنها الموالاة والتوحيد الخالص لله تعالى والنبوة والامامة والسير وفق المنهج، الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر واقامة الصلاة وايتاء الزكاة والحج والاعتقاد بوجوب الطاعة للامام الحسين عليه السلام والاعتقاد بشرعية نهضته، فمن حق المكان اشاعة الحزن وعلامات الكرب، واذا شئنا أن نجوب صياغات البحث التحاوري وسردية الوضوح لآليات التعبير ـ كتقصي اسباب الزيارة بدقة؛ كونها ليست زيارة اموات بل هي حياة دؤوبة تلهج بالدعاء ـ فهؤلاء الشهداء يسمون الكلام ويردون الجواب، ثم الايمان بأن لاوجود لفواصل تحجز بين الزائر وامامة المعصوم والشهداء من اهل بيته واصحابه الميامين، هناك التقاء دلالي يجيبه عن اي سؤال، ويعني ان الوقوف في حضرة الحسين ع تعبير صادق عن الولاء الممتد، والمواصلة أمر صميمي يعبر عن يقظة الوجدان؛ فالذي مرّ من حياة الائمة ع لايمثل حادثة تاريخية والخطوة التحليلية تقربنا من مضمون المفتتح الأولي لدخول المبحث فما أكدته الاحاديث الشريفة هو احياء الامر: (رحم الله من احيا أمرنا...) ونجد ان المفاصل البحثية متصلة ببعضها تقودها وحدة الهدف والصدق والبحث عن البركة مفاهيم تقرب لنا الحقائق لنعرف من خلالها الجميل ونميزه عن القبيح. سؤال: ما تقول فيمن ترك زيارة الحسين ع وهو يقدر على ذلك؟ الامام الصادق عليه السلام:ـ انه عقّ رسول الله ص... ونجد ان جميع هذه المنطلقات تشكل سمات ميزة مطلوبة من كل زائر تسمى آداب الزيارة كالطهارة من غسل ووضوء وتعظيم الله سبحانه تعالى والتواصل الشعوري الذي هو عبارة عن دمع وبكاء وجزع وكل جزع مكروه ما خلا البكاء على الحسين عليه السلام، ولابد ان يختم الزيارة بالاستكانة والدعاء العام لأمة المسلمين بالشفاعة ومن ثم الوداع: اللهم اني استودعك واسترعيك...
|