يتبع الكيان الصهيوني منذ سقوط النظام السوري السابق سياسة محددة تجاه سوريا حيث يحاول تأمين منطقة عازلة عبر توسيع نفوذه العسكري المباشر من خلال انتشار قواته في القنيطرة واجزاء من درعا والسويداء او بشكل غير مباشر عبر دعمه لمجموعة المجلس العسكري للسويداء ، حيث تتواجد الاقلية من طائفة الموحدين الدروز بالمقابل تنسق حكومة الاحتلال من خصومهم من حكومة الجولاني امنيا لضمان عدم تدفق الاسلحة الى حزب الله، سنحاول في هذه الورقة تفكيك هذه العلاقة ومعرفة ما سيؤول اليه الموقف الصهيوني بعد التطورات الاخيرة وانعكاساتها على الواقع الميداني في سوريا.
اولا: لماذا يقوم الصهاينة بدعم الدروز:
1. من هم الدروز: ان الدروز والمعروفين بطائفة الموحدين هي فرقة باطنية مشتقة عن مذهب الشيعة الاسماعيلية، يسكنون في بلاد الشام في مناطق سوريا ولبنان وفلسطين، حيث ينعزل ابناء هذه الطائفة في المناطق الجبلية والبعيدة عن المراكز الحضرية في هذه البلدان الثلاث، وقد نشأت هذه الطائفة في مصر في عهد الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بامر الله (المنصور بن العزيز بالله) والذي يعد ايضا الامام السادس عشر في عقيدة الشيعة الاسماعيلية* ، على يد حمزة بن علي الزوزني الذي كتب نصوص هذه الطائفة.
تدين الطائفة الدرزية بالتوحيد، وكل عقائدها مأخوذة عن الطائفة الإسماعيلية، كما يؤمنون بالقران الكريم الا انهم يفسرونه تفسيرا باطنيا خاصا بهم وفقا لكتاب الفه مؤسسهم (حمزة بن علي) يعرف باسم (رسائل الحكمة) وهو كتاب يمنع الاطلاع عليه لغير شيوخ الطائفة.
وتعود اصول العقيدة الدرزية وانشقاقها عن الاسماعيلية الى عام 1012 ميلادية عندما خرج الحاكم بامر الله الفاطمي ذات ليلة من دون حراسة فلم يعد فاضطر القائمون بالسلطة الفاطمية الى اعلان وفاته وتنصيب ابنه بدلا عنه اماماً وحاكماً، ونتيجة لذلك رفض مؤسس الطائفة الدرزية (حمزة بن علي) التسليم بموت الحاكم بامر الله ورفض الاعتراف بامامة ابنه، وقال “إن الخليفة اختفى فقط وسيعود في وقت لاحق ليملأ الأرض عدلا”، معلنا هو ومن معه انشقاقهم عن الدولة الفاطمية، لتكون بداية ولادة الفكر الدرزي مما ادى الى ملاحقتهم من قبل الخليفة الفاطمي (الظاهر لإعزاز الله) نجل الخليفة (الحاكم بامر الله) حتى اضطروا الى الهروب من مصر الى بلاد الشام عام 1026 ميلادية واضطروا الى ان يسكنون جبال بلاد الشام في سوريا وفلسطين ولبنان.
2.علاقة الدروز بالكيان الصهيوني: نشأت علاقة وطيدة بين الدروز الذين يسكنون فلسطين وبين الكيان الصهيوني عندما هدد حكام القدس عام 1942 بالسيطرة على قبر يثرون ( الذي يعتقد الدروز انه قبر النبي شعيب عليه السلام والذي يقدسونه بشكل خاص)، حيث اعترضوا على هذا القرار مع المستوطنين اليهود في حينها ، وعندما نشبت حرب عام 1948 قاتل الدروز الى جانب العصابات الصهيونية ، وقد اعترف الكيان بدورهم في نشوءه ومنحهم بعض الامتيازات مقابل اشتراك ابناءهم في جيشه، فيما رحب بعض دروز الجولان بالقوات الصهيونية المحتلة عام 1967 .
لذلك نجد ان الدروز والذين يبلغ عددهم في فلسطين المحتلة حوالي 150 ألف في مقدمة قوات الاحتلال التي تقاتل في غزة، واليوم تستخدمهم حكومة نتنياهو كحجة لدخول الاراضي السورية وتنفيذ مشروع ممر داوود بحجة حماية الدروز في الجنوب السوري.
ثانياً: الدروز بعد سقوط النظام السوري: نتيجة لسيطرة المجموعات المنفلتة من عصابات الجولاني على الحكم في سوريا واسقاط النظام السوري ، بدأ الدروز السوريين يشعرون بالقلق من سياسة هذه المليشيات تجاه الاقليات وخطابها الطائفي القائم على اولوية ومركزية السنة في سوريا وتحويلهم لمواطني درجة اولى مقابل تحويل الاقليات لمواطني درجة ثانية او محاولة ابادتهم في حال اعترضوا على الحكم الجديد ، وقد دفعت هذه السياسة لاسيما المجازر التي ارتكبتها قوات الجولاني في الساحل السوري ضد العلويين في محاولة لابادتهم ، الدروز الى الركون الى قوات الاحتلال الصهيوني لمساندتهم ضد حكومة الجولاني، لاسيما وان القوات الصهيونية استغلت سقوط النظام السوري وقامت بالتوغل في عمق الاراضي السورية ودخلت العديد من البلدات السورية الجنوبية وعرضت على سكان تلك البلدات التعاون معها لقاء عروض مغرية من فرص عمل وحماية وغيرها.
وكان الصهاينة يهدفون من هذه السياسة العمل على توليد بيئة شعبية حاضنة لوجودهم العسكري، حيث لكون سوريا قد خاضت لمدة اكثر من 80 عام صراعا ضد الكيان الصهيوني فان هذا الكيان يعلم جيدا ان المجتمعات المحلية لن توافق بشكل مباشر على مساندة قواته التي نشأو على العداء لها، كما انه اراد ان يضمن من خلال تكوين هذه الحاضنة الشعبية شرعنة وجوده في الجنوب السوري وضمان عدم التعرض لهجمات تسبب استنزافا لقواته المستنزفة اصلا في غزة ، فاي جيش بالعالم مهما بلغت قوته لن يخاطر باستعداء السكان المحليين ويخوض حربا معهم لعمله انها حرب خاسرة.
وقد منح خطاب عصابات الجولاني الاقصائي والطائفي ومجازرهم في مناطق مختلفة من سوريا ضد الشيعة والعلويين وبعض المسيحيين الفرصة للصهاينة لاستغلال ذلك واقناع الدروز بضرورة التعاون معهم لمنع توسع الجولاني.
وتخطط اسرائيل كما أشرنا في اوراق سابقة الى اقامة ممر داوود الممتد من القنيطرة عبر السويداء ودرعا مرورا بصحراء التنف ووصولا الى مناطق سيطرة الاكراد في شرق الفرات مما يمنح قوات الاحتلال وصولا مميزا وتماسا مباشرا مع الاراضي العراقية التي ستكون بمواجهة مباشرة مع تلك القوات.
الا ان هذا المخطط الاسرائيلي مازال يواجه اطماع تركيا في سوريا وهناك تنافس خفي بين الطرفين على النفوذ في سوريا لكن تركيا قد تصل الى تسويات مع الاسرائيليين للحصول على مناطق دون اخرى ، لاسيما بعد تسليم حزب العمال الكردستاني سلاحه وانتهاء مشكلة الاكراد كمعضلة للامن القومي التركي ، فقد تتعاون تركيا مع الاسرائيليين والاكراد في شمال العراق وسوريا على مساعدة الاسرائيليين للسيطرة على المرتفعات الحاكمة داخل الاراضي العراقية لاسيما ان تركيا لم تنسحب من قواعدها بعد في تلك المرتفعات ما قد يمنحهم الامكانية لاجراء تبادل ما مع الاسرائيليين بغية منح الاسرائيليين تلك القواعد مقابل امتيازات معينة يحصل عليها الاتراك.
السيناريو اعلاه قد يكون مرجحا ولكن سيناريو اخر مغاير قد يكون واردا ايضا وهو حدوث صدام بين الاتراك والاسرائيليين نتيجة لتضارب المصالح بين الطرفين في سوريا، كما ان القوات الاسرائيلية مع حلفاءها على الارض قد يدخلون في معركة استنزاف مع المليشيات السورية التي قد تحصل على دعم تركي في مثل هذه المواجهة ما يجعل المعركة تطول أكثر.
ومن الشواهد والمؤشرات على امكانية انشاء ممر داوود هو المعركة التي تجري بين الدروز وقوات الجولاني والتي تم بموجبها الاتي:
تدخل القوات الاسرائيلية بحجة حماية الدروز ومحاولة اجبار قوات الجولاني على الانسحاب من السويداء.
دخول عناصر الدروز المنتمين لجيش الاحتلال داخل اراضي السويداء للقتال مع اقرانهم من قوات المجلس العسكري للدروز.
دخول قوات اسرائيلية وتوغلها مسافات كبيرة في عمق الاراضي السورية وصولا الى بلدة قطنا التي تبعد 30 دقيقة عن منطقة المزة التي تقع في قلب العاصمة السورية دمشق، لاسيما بعدما قام الاسرائيلييون بنقل فرقتين من غزة الى الجولان واعلانهم الاستعداد لايام من القتال في سوريا.
على الرغم من اعلان حكومة الجولاني سحب قواتها من السويداء الا ان القتال مازال مستمرا بين الدروز وعناصر القبائل البدوية والذين بدأ الكثير من عناصرهم التدفق الى منطقة السويداء من محافظات درعا ودير الزور وادلب، ما يبقي الحجة الاسرائيلية قائمة بالتدخل العسكري داخل سوريا جويا وبريا.
نتيجة للقتال تصاعد الخطاب الطائفي من انصار الجولاني السنة ضد الدروز وصدور دعوات لمقاطعتهم ماليا وتجاريا واجتماعيا ونبذهم عن المجتمع السوري ، بالاضافة الى دعوات لطردهم من مناطق تواجدهم في دمشق في جرمانا وصحنايا ، كما تم الاعتداء على عدد من طلبة الدروز في الاقسام الداخلية لجامعة حلب ، كل ذلك يمنح الاسرائيلي الفرصة لتبرير تدخله في سوريا وصولا الى دمشق بحجة حماية الدروز ما قد يؤدي الى قيام الاسرائيليين بقتل الجولاني وتدمير حكومته وقيادة قواته بالكامل وهو ما يؤدي لفوضى اكبر في سوريا تستفيد منها اسرائيل في تمرير مشروعها الخاص بممر داوود .
ومن المؤشرات الاخرى على النية بتطبيق ممر داوود هو مطالبة حكمت الهجري شيخ الدروز المتعاون مع اسرائيل بفتح ممر بري يربط السويداء بمناطق سيطرة الاكراد ، وكذلك فتح ممر اخر يربط السويداء بالحدود الاردنية في مؤشر على وجود نوايا للاقتراب من الحدود العراقية وهي ممرات تتناسب مع مخطط ممر داوود الاسرائيلي حيث قد يتواجد الاسرائيليين قرب الحدود العراقية بشكل غير مباشر بالبداية عبر وكلاءهم من الدروز والاكراد ثم بعد ذلك يعمل الوكلاء على استفزاز القوات العراقية هناك مما يضطرها للرد ومنح الفرصة لللاسرائيلي حتى يتدخل لحمايتهم، وبناء قواعد عسكرية في تلك المنطقة.
* لايعتقد الشيعة الاسماعيليين بغيبة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف، بل يؤمنون ان الامامة مستمرة حيث انهم يعتقدون ان الامامة انتقلت من الامام الصادق عليه السلام بعد استشهاده الى ابنه اسماعيل وليس الى موسى الكاظم عليه السلام ، لذلك لقبوا بالاسماعيلية مما جعلهم يسلكون طريقا مختلفا في المعتقدات عن الامامية ويعتبرون ان الامامة مستمرة الى يومنا هذا.
|