• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النخب الحاكمة وافتعال الأزمات .
                          • الكاتب : عامر هادي العيساوي .

النخب الحاكمة وافتعال الأزمات

 لقد اشتهر في ديارنا في ستينات القرن الماضي  احد كبار رؤساء العشائر بقدراته العجيبة والفائقة على إثارة الفتن والمنازعات الدموية بين قبيلته من جهة  والقبائل المجاورة من جهة أخرى  , أما في الفترات التي يستعصى فيها عليه إثارة منازعة ما مع قبيلة ما لأسباب قاهرة كتعقل الإطراف الأخرى مثلا فانه يلجا إلى إثارتها داخل عشيرته بين أفخاذها المختلفة 0 لقد كانت هذه السياسة تدر على صاحبنا أموالا طائلة وكبيرة تقدمها إليه ديات القتلى والجرحى واحشام الاعتداءات المختلفة التي تمر من دون إراقة للدماء0 أما أنا كاتب هذه السطور فقد أدركت زمان ذلك الرجل وتكلمت معه وقد وجدته يتمتع بشخصية قوية ومؤثرة وساحرة تترك بصماتها بسرعة عجيبة في نفوس محدثيه ,وهذا ما يفسر الحب الشديد والتعلق المنقطع النظير من قبل أبناء عشيرته به إلى حد استعدادهم التام لافتدائه بأرواحهم من دون تردد فقد كانوا يعتقدون بان شيخهم هذا من فرط حبه لهم وحرصه على كرامتهم وعزتهم يلجا الى زجهم في تلك الحروب 0 وإذا أقدم شخص ما على اتهام أبناء هذه القبيلة بالجهل او السذاجة فعليه أن يشملني أنا وأبناء جلدتي بهذا الوصف لأننا جميعا من طينة واحدة 0

وفي أواسط السبعينات خارت قوى الشيخ( الجليل) ودقت ساعة الموت والتوديع النهائي لآخر يوم من أيام الدنيا واستقبال أول يوم  على طريق الآخرة المرعب والمحفوف بالمخاطر فجمع وجهاء عشيرته واعترف لهم بالحقيقة كاملة واخبرهم بان رجعته الى الله تعالي تكاد تكون فاشلة دون عفوهم عنه وصفحهم عن ذنوبه وتبرئة ذمته معهم فكان له ما أراد ثم أغمض عينيه الاغماضة الأخيرة والى الأبد 0

وما أشبه قصة شيخنا الراحل بقصة جميع النخب السياسية الحاكمة في العراق الجديد والتي تمثل مكونات الشعب العراقي بكرده وعربه سنة وشيعة 0

إن القيادات الشيعبة والسنية والكردية الحاكمة اليوم في العراق  يرتبط وجودها واستمرارها في الحكم بعدد الأزمات التي يثيرها كل طرف وحجمها وكيفية إدارتها وعدد الدول الإقليمية والدولية التي نجح في جرها الى الساحة العراقية من اجل  الاستقواء بها على خصومه ,وكلما كانت الإضرار التي يلحقها ذلك الطرف بباقي العراقيين جسيمة شعر بالزهو والفخر و(روح النصر )0وليس مهما أن تكون تلك الأضرار دماء او أموالا إذا كانت ستضمن له ولعائلته هيمنة وسلطة دائمة على معيته سيورثها أبناءه من بعده تماما كما فعل( الشيخ الراحل)0

إن لسان حال القيادات الكردية هو كما يلي : (انظروا أيها الأكراد كيف نجح ممثلوكم في إثارة الأزمة الفلانية وكيف أداروها وكيف نجحوا في نشر التشتت والفرقة بين العرب بالتعاون مع القوى الدولية التي تجندت لصالحهم وكيف حققوا المكاسب العظيمة وكيف اقتربوا  من تحقيق الحلم العظيم ببناء دولتكم المستقلة )0 وهم يعلمون قبل غيرهم بان ذلك الحلم أمر مستحيل بسبب إيران وتركيا وسوريا والمجتمع الدولي 0

أما لسان حال السنة فهو كما يلي :( انظروا أيها السنة كيف نجح ممثلوكم في إثارة الأزمات ونشر الفوضى لكي يثبتوا للعالم بان الشيعة لا يصلحون للحكم وان الحل في إعادة المعادلة القديمة وسيأتي اليوم الذي تعود فيه السلطة إليكم ) 0 وهم يعلمون قبل غيرهم بان ذلك لم يعد ممكنا وهو أمر مستحيل 0

وأما لسان حال الشيعة فهو كما يلي : (انظروا أيها الشيعة كيف تكالبت علينا الأعداء الذين لا يريدون لنا أن نحكم من اجل إفشالنا وتدمير تجربتنا في الحكم  ولكننا كما ترون نجحنا في إثارة الأزمات وإدارتها وخرجنا منها منتصرين  وما زال الحكم بأيدينا وسيبقى كذلك ) وهم يعلمون قبل غيرهم بان الانفراد بالسلطة بعد اليوم في العراق أمر مستحيل 0

إن نخبا بهذه المواصفات لا يمكنها أن تصنع عراقا جديدا وإنما ستصنع عراكا متجددا سيأتي على الأخضر واليابس وان الحل في هذه الحالة أن تفعل هذه النخب كما فعل الشيخ الراحل وتلجا الى مصارحة الشعب العراقي واستسماحه لعل الله يرحمهم ويرحمنا 0




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=20558
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16