كتابات في الميزان / رغم مرور تسعة أعوام على إدراج تراث الأهوار والمواقع السومرية في ذي قار ضمن لائحة اليونسكو، يشكو ناشطون ومسؤولون محليون من تدهور الأوضاع البيئية والمعيشية فيها، في ظل الجفاف الحاد وغياب الدعم الدولي والوطني، واتهامات للحكومة واليونسكو بعدم الوفاء بوعودها وعدم تنفيذ خطط الإدارة والتنمية المعلنة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) قد وافقت في 17 تموز 2016 على إدراج الأهوار والمناطق الأثرية فيها ضمن لائحة التراث العالمي، شملت أور وأريدو وهور الحمار والحويزة والأهوار الوسطى في ذي قار وميسان، والوركاء في المثنى، وهور الحمار الشرقي في البصرة.
غياب تنفيذ خطط الإدارة
يقول المهندس جاسم الأسدي، الناشط البيئي وأحد المشاركين في إعداد ملف الانضمام، إن إدراج الأهوار والمواقع الأثرية شكّل في البداية خطوة واعدة، إذ كان من المفترض أن ينعكس إيجابيًا على البيئة والسياحة. لكنه يؤكد أن الخطط التي قدمت إلى اليونسكو بقيت دون تنفيذ، ولم يتم تحديثها أو إشراك المجتمعات المحلية كما كان مخططًا.
وأضاف أن أداء الجهات الحكومية افتقر إلى التخطيط والتنسيق، ووصف تعاملها مع الأزمات بنظام «الفزعة»، محذرًا من خطورة انخفاض منسوب مياه الفرات في الجبايش إلى 58 سم فوق مستوى سطح البحر.
وتابع الأسدي أن مناطق الأهوار تعاني منذ عام 2021 من موجات جفاف حادة، مشيرًا إلى تفاقم الملوحة في هور الحمار الغربي وجفاف هور الحويزة وبحيرة أم النعاج، الأمر الذي يدفع السكان إلى نقل المياه من مناطق بعيدة بسبب ارتفاع الملوحة في مصادر المياه الحالية.
انتقادات لليونسكو.. وتمويل حكومي للترميم
من جهته، انتقد شامل الرميض، مفتش آثار وتراث ذي قار، غياب الدعم من منظمة اليونسكو للمواقع الأثرية مثل أور وأريدو والوركاء، مبينًا أن المنظمة لم تتدخل لحماية الأهوار من الجفاف أو للمطالبة بحصة مائية لها.
لكنه أشار إلى أن إدراج المواقع الأثرية السومرية ضمن اللائحة زاد من الاهتمام المحلي والعالمي بها، خاصة بعد زيارة بابا الفاتيكان لمدينة أور، وهو ما أسهم في تنشيط السياحة وأعمال الترميم بدعم حكومي وبعثات تنقيبية دولية تعمل حاليًا في 14 موقعًا أثريًا بالمحافظة.
وتضم ذي قار نحو 1200 موقع أثري يعود معظمها إلى العصور السومرية والبابلية والأكدية والإسلامية، من أبرزها بيت النبي إبراهيم (ع) وزقورة أور والمقبرة الملكية وقصر شولكي ومعبد «دب لال ماخ» الذي يُعد أقدم محكمة في التاريخ.
وعود لم تتحقق ونزوح بيئي متزايد
وكان سكان الأهوار قد وصفوا في نيسان 2019 الوعود الحكومية المتعلقة بإنعاش الأهوار عقب الانضمام للائحة بأنها «كذبة كبيرة»، مؤكدين أن الأموال المخصصة لم تنفذ على أرض الواقع، وأن مناطقهم لا تزال تفتقر إلى المشاريع الخدمية والتنموية.
وفي حزيران 2025، كشفت حكومة ذي قار عن انحسار المياه في أكثر من 87% من مناطق الأهوار، مشيرة إلى تسجيل أكثر من 10 آلاف نازح بيئي بسبب الجفاف، ومطالبة بإدارة ملف المياه من قبل مختصين، وباعتماد مبدأ «تقاسم الضرر» مع دول الجوار.
وتواجه الأهوار تحديات متعددة بفعل التغيرات المناخية وأزمة المياه، أدت إلى تضرر مئات القرى وهجرة آلاف الأسر بسبب فقدان مصادر الدخل المرتبطة بالزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك، فضلًا عن تفاقم المشاكل الصحية جراء العواصف الغبارية.
وتشكل الأهوار نحو خمس مساحة محافظة ذي قار وتتوزع على عشر وحدات إدارية، وقد قدرت مساحتها قبل التجفيف في تسعينيات القرن الماضي بمليون و48 ألف دونم، أعيد إغمار نحو نصفها بعد عام 2003، إلا أن هذه النسبة أخذت بالتراجع مؤخرًا بفعل موجات الجفاف المستمرة.

|