نحن اليوم لا نقف على أطلال ذكرى، بل على صرخةٍ خالدة خرجت من ثغر الحسين وهو يواجه سيوف الطغيان بقوله:
“ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة!”
فما خرج الحسين لأجل طقوسٍ تُمارس، ولا ليُبكى عليه في موسم وينساه الناس في باقي العام، بل خرج ليصرخ في وجه كل عادةٍ جائرة، كل تقليدٍ أعمى، كل وراثةٍ باهتة تُغلف الباطل بلبوس المجتمع!
ألا نخجل…
أن نُقيم المآتم على الحسين، ونُمارس في حياتنا اليومية ما خرج الحسين ليُحاربه؟!
أليس الظلم من السلوكيات التي تمجّد طغيان يزيد؟
أليست السطحية في الدين، واتباع الهوى، وعبادة المال من مظاهر الانحراف التي ثار ضدها الحسين؟
أليس سكوننا للمنكر هو خيانة لصوته الذي قال: “ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه؟!
يجب أن نعرف إن معركة كربلاء لم تنتهِ بسيف، بل بدأت بضمير…
فكربلاء ليست ساحة قتال طوتها القرون، وليست عادةٍ نحملها دون وعي، وندافع عنها بحجة
“وجدنا آباءنا كذلك يفعلون”.
بل هي معركة يومية، في كل بيت، في كل مجلس، تنادي بالقيم والأخلاق
متى كانت العادات فوق القيم؟
متى صار الحسين غريباً في سلوكنا؟ نرفع شعاره، ونسكت عن مُنكرهِ، ونجامل ظالمه؟!
لنعلم إن الحسين لا يريد دمعًا … بل موقفًا!
يريد قلبًا حيًا، وعقلاً حرّاً، ولساناً لا يخاف في الحق سيفاً.
أخــوتي
حين أطلق الإمام الحسين (عليه السلام) عبارة:
“الدين لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم"
لم يكن يصف قومًا ماتوا، بل كان يفضح مرضاً حياً في كل زمان… مرضاً يُفتك بالضمير، عندما يتحول الدين من وحيٍ يهدي إلى وسيلةٍ للمتاجرة!
كم يرتفع الصوت في العزاء، وتنخفض الأخلاق في الحياة.
يا عشاق الحسين
ما قيمة الدموع إن لم تُطهّر القلب؟
وما جدوى المواكب إن لم تُقِم عدل الحسين فيك؟
كيف نزعم حب الحسين ونحن نخون رسالته كل يوم؟
يقول الشاعر حسين القاصد:
هذا الحسُين عراقنا،
والطائفية أن نرى دون الحسين مزية
إني أخاف على الحسُين من الحسُين
فعصرنا أخلاقهُ أموية!!
لنُحارب العادات السيئة كما حارب هو الجاهلية المتجددة.
فصرخة الحسين لم يُرد أن يُسمع بها خصومه فحسب، بل أن يهزّ بها ضمائر الغافلين من أتباعه قبل أعدائه.
إن عاشوراء ليست يوماً في التاريخ، بل محطة للانقلاب على الانحراف وتصحيحه، ومنصة لإحياء رسالة محمد (صلى الله عليه وآله).
|