جاء في کتاب الشعائر الحسينية بين الأصالة والتجديد للشيخ محمد السند: ويستطرد الشيخ السند في ذكر أدلة الشعائر: الطائفة الثانية من الأدلّة هذه الأدلّة لم يرد فيها لفظ ( الشعائر )، إلاّ أنّ بعض العلماء والمحقّقين ذهبوا إلى استفادة حكم الشعائر منها، وهي: (1) - "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُون" (التوبة 32) ومن سياق الآيات التي قبلها: "قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ" (التوبة 29) وآية: "اتَّخَذُوا أَحْبارَهُم وَرُهْبانَهُم أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ" (التوبة 31) يفهم أنّ الآيات بصدد بيان مسألة وجوب الجهاد، وضرورة المعرفة الحقّة والتوحيد ونشر الدين وتبليغه. ثمّ بعد ذلك تبيّن الآية: "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُون" (التوبة 32) أهميّةَ النور الإلهيّ، ومحاولات أعداء الدين لإطفاء ذلك النور. ولكنّ الله سبحانه كتب على نفسه إحباط تلك المحاولات الشيطانيّة، ويأبى سبحانه إلاّ إتمام النور ونشر الصلاح والهدى. ففي هذه الآية الشريفة: الموضوع: هو نور الله سبحانه. وهو بدل لفظ (الشعائر) في آية "ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ" (الحج 32). ونور الله سبحانه عامّ يشمل جميع الأحكام. المتعلَّق: النشر والتبليغ والبيان ; وهو بدل التعظيم في تلك الآية. والحكم: وهو الوجوب.. وجوب النشر أو حرمة الإطفاء والكتمان. فيكون هذا الدليل - كقضيّة شرعيّة مرادفاً ومكافئاً للآية الشريفة: "ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ" (الحج 32) وهذا يعني أنّنا لا نقتصر في إثبات هذه القاعدة على الآيات من الطائفة الأولى من الأدلّة.. بل يمكن الاستدلال أيضاً بما يفيد مفادها أيضاً. (2) - "فِي بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَال" (النور 36) بملاحظة الآيات التي تسبق هذه الآية من سورة النور، وهي: "وَلَقَدَ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَات مُّبَيِّنَات وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * اللهُ نُورُ السَّماوَاتِ وَالأرْض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَة مُبَارَكَة زَيْتُونَة لاَّ شَرْقِيِّة وَلاَ غَرْبِيَّة يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُور يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ" "النور 24-25" من سياق هذه الآيات، يظهر أنّ المراد من لفظة "فِي بُيُوت" (النور 36) هي البيوت التي فيها نور الله.. والمراكز التي تكون مصادر إشعاع الدين.. ومحالّ نشر الهداية والحق.. ومحطّات بيان أحكام الدين الحنيف. وهذه ( البيوت ) النوريّة والباعثة للنور، شاء الله وأراد أن تُرفع وتكرّم، وأن تُبجّل وتُحترم.. وينبغي أن يستمر ويدوم فيها ذِكر الله وعبادته وطاعته. فهذه الآية من سورة النور، مرادفة لآية تعظيم الشعائر "ذلك ومن يُعَظّم شعائرَ الله فإنّها من تقوى القلوب" (الحجّ 32) ، والآية "لاتُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ" (المائدة 2). فالآية الشريفة تدلّ على وجوب نشر ورفع كلّ موطن ومركز ومحلّ يتكفّل ببيان أحكام الله وتعاليم رسالة السماء، المكنّى عنه في الآية الشريفة بنور الله. ومن ذلك يظهر أنّ الشعائر لا تَختصّ بباب دون آخر فهي لا تختصّ بمناسك الحجّ، ولا بالعبادات. وإنّما تشمل كلَّ ما فيه نشرٌ لأحكام الدين، وتعمّ جميع ما به بيان وتبليغ للمعارف الإسلاميّة المختلفة.
ويستمر الشيخ محمد السند مبينا أدلة الشعائر قائلا: (3) - "إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنّا لَهُ لَحَافِظُون" (الحج 9) هذه الآية تدلّ على أنّ حفظ الدين وحفظ ذكر الله سبحانه، وكذلك حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو قوام الدين، وحفظ ذِكر أهل البيت عليهم السلام الذين هم العِدل الآخر للقرآن.. كلّ ذلك يُعتبر من الأغراض الشرعيّة العليا للحقِّ سبحانه و تعالى. "4" - "وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفروا السُفلى ; وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة 4) بتقريب أنّ كلّ ما يؤول إلى إعلاء كلمة الله سبحانه وإزهاق كلمة الكافرين، فهو من الأغراض الشرعيّة والمقاصد الدينيّة. "5" - "فَلَولا نَفَرٌ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٌ مَنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة 122) تُقرِّر الآية الكريمة وجوب التفقّه على المسلمين بعد الهجرة، ثمّ الرجوع إلى بلادهم ووجوب التبليغ والإنذار، مقدمةً لحصول حالة الحذر، فهذا الإنذار لنشر معالم الدين وترسيخ قواعده يبيّن في الواقع ماهيّة الشعائر. فهذه الآية "آية الإنذار" بمنزلة المبيّن والمفسِّر لأحد أركان ماهيّة العناوين التي وردت في الألسنة الأخرى من الأدلّة.. وهو التبليغ، والنشر للدين الحنيف. "6" - "فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِريِنَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلا" (النساء 141) لسان هذه الآية، يوضّح بُعداً آخر في حقيقة الشعائر ; حيث تتضمّن في متعلّقها جنبة أخرى غير الأحكام الأوّليّة. ألا وهي جنبة ازدياد العلو والسُموّ للإسلام والمسلمين.. وهذه غير جهة الإعلام، وإن كانت هي أحد نتائج الإعلام والنشر والإنذار. فالبُعد الآخر الذي تتضمّنه قاعدة الشعائر الدينيّة هو جنبة إعلاء كلمة الله سبحانه، وإعزاز كلمة المسلمين. وقد توفّرت الأدلّة في إثبات ذلك بقدر واف.
وعن أقوال العامّة يقول الشيخ السند في كتابه: منها: 1 - عن عطاء أنّه فسّر الشعائر، سواء في الآية "وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ" (الحج 32) أو الآية "لا تُحِلّوا شَعَائِرَ اللهِ" (المائدة 2) - فسّرها بأنّها جميع ما أمر الله به ونهى عنه، أي جميع فرائضه.. ولم يخصّصه بباب دون باب. 2 - قال الحسن البصريّ: الشعائر شعائر الله: هو الدين كلّه. هذا أيضاً قولٌ بالتعميم. وهذا تعميم في الموضوع، فهذان القولان يتّفقان على تعميم موضوع الشعائر. 3 - القرطبيّ في أحكام القرآن. يذهب إلى أنّ المراد من الشعائر هي جميع العبادات.. ولم يعمّمها لجميع أحكام الدين، وإنّما خصّصها بالعبادات.. قال: جميع المتعبّدات الّتي أشعَرها الله تعالى، أي جعلها أعلاماً للناس. هذا قول آخر، وهو يحدّد دائرة الموضوع. 4 - وهناك قول آخر لديهم، هو أنّ المراد من شعائر الله بقرينة السياق في الآيات الواردة في سورة الحجّ وفي أوائل سورة المائدة، وتلك التي في سورة البقرة كلّها في سياق أعمال مناسك الحجّ.. فمن ثَمّ ذهب هذا القائل إلى أنّ المراد منها جميع مناسك الحجّ ليس إلاّ. ولا تشمل هذه القاعدة بقيّة الأبواب. هذا بالنسبة لزبدة أقوال العامّة.
وعن علماء الخاصّة يقول الشيخ محمد السند: كما يظهر من كلماتهم القول بالتعميم، فمثلا: 1 - الشيخ الكبير كاشف الغطاء في كتابه (كشف الغطاء) ذهب إلى أنّ قبور الأئمة عليهم السلام قد شُعِّرت، فهي مشاعِر، ومن ثَمّ تجري عليها أحكام المساجد، يذكر ذلك في بحث الطهارة، في مناسبة معينة، في تطهير المسجد وحُرمة تنجيسه وما شابه ذلك. وقد تميّز الشيخ الكبير كاشف الغطاء بهذا الإستدلال عن بقيّة الأعلام.. بالإشارة إلى أنّ وجه إلحاق قبور الأئمّة عليهم السلام بالمساجد هو كونها شُعِّرت مشاعر.. فهو إذن يذهب إلى أنّ المشاعر لا تختصّ بأفعال الحجّ، ولا تختصّ بالعبادات، بل تشمل دائرةً أوسع من ذلك. وأيضاً، في كتاب ( منهاج الرشاد لمن أراد السداد) يشير الشيخ الأكبر كاشف الغطاء إلى هذه النكتة، وهي تشعير قبور الأئمة عليهم السلام. وكذلك يشير أيضاً إلى أنّ حُرمة المؤمن أيضاً من شعائر الدين. فهو يعمّم موضوع الشعائر. 2 - وأيضاً ذهب إلى التعميم: صاحب الجواهر في بحث الطهارة: في موضع حرمة تنجيس القرآن، أو وجوب تطهير القرآن إذا وقعت عليه نجاسة.. ويشير إلى أنّ حرمة الهتك ووجوب التعظيم شاملان لكلّ حُرُمات الدين. وعبارته: (وفي كلّ ما عُلم من الشريعة وجوب تعظيمه وحُرمة إهانته وتحقيره). وهذا التعبير كأنّما اقتبسه صاحب الجواهر من الآية في سورة الحجّ. "ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ" (الحج 30) وبعد ذلك بآيتين. "ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ" (الحج 32) كأنّما الآيتان متوازيتان في المعنى، ومتعاضدتان في شرح بعضهما البعض. 3 - أيضاً من الكلمات الّتي يستفاد منها التعميم: فتوى المحقق الكبير الميرزا النائينيّ، الّتي صَدرت حول الشعائر الدينيّة. وقد عبّر عَن الشعائر الحسينيّة بأنّها شعائر الله.. واستدلاله بالآية يعمّم هذه القاعدة الفقهيّة، ولا يخصّصها بالمناسك ولا بالعبادات. وقد نبّه الفقهاء الأعلام - ضمن استدلالهم - على هذه القاعدة، إلى حقيقة وجود أدلّة أخرى بلسان آخر يُرادف معنى ومدلول قاعدة الشعائر الدينيّة، فآيات: "لا تَحِلُّوا شَعَائِر اللهِ" (المائدة 2). و "ذلكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب" (الحج 32) يرادفها من الآيات القرآنيّة كثير من الموارد. ثمّ ذكرنا أنّ الآيَتين: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ويَأْبَى اللهُ إلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَه" (التوبة 33) - و "فِي بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" (النور 36) استند إليهما الفقهاء، ليس في بحث الشعائر فحسب، بل في مسائل فقهيّة وعقائديّة وتاريخيّة أخرى.. في وقائع تحتاج لمواقف شرعيّة حازمة وصارمة وهي وجوب نشر نور الدين ونور الإسلام، ونور الله.
|