• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مجالس العزاء بين التوقيف والتوظيف .
                          • الكاتب : ابراهيم الحسيني .

مجالس العزاء بين التوقيف والتوظيف

 حين نقيم مجلسًا لإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، لا بدّ أن نتوقّف أولًا عند أصل المشروعية، ونتساءل: ما منشأ جواز هذه المجالس؟ ومن أين جاءت الفتوى بجوازها، بل باستحبابها؟ وهل لها أصل راسخ في سيرة أهل العصمة والطهارة (عليهم السلام)؟

إن العودة إلى التاريخ تبيّن لنا أن أول من أقام مجلسًا للعزاء في ذكرى مصاب أهل البيت (عليهم السلام) هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد ورد في بعض الروايات أنّه اجتمع بأهل بيته (عليهم السلام) وأقام مجلسًا لرثاء سبطه الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان ذلك أول مجلس عزاء يُقام على سيّد الشهداء (عليه الصلاة والسلام).

وتوالى هذا النهج المبارك في سيرة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، حتى برز من بينهم الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)، فكان لهما الدور الأوضح في إرساء معالم هذه المجالس وتحديد ضوابطها وآدابها. فقد استدعى الأئمة ( عليهم السلام ) الشعراء كالكميت الأسدي ودِعبل الخُزاعي (رحمهما الله) لينشدوا الشعر في رثاء الحسين (عليه السلام)،  وأقاموا  ستارًا بين الرجال والنساء، مما يدلّ على إشراك النساء في هذه المجالس ضمن ضوابط الحشمة، وأكرموا الشعراء الذين تفانوا في ندب الحسين (عليه السلام)، كما جعلوا من هذه المجالس منابر لبيان فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وتسليط الضوء على مظلوميتهم.

وكان الأئمة (عليهم السلام) يوصون أتباعهم بإحياء هذه المجالس، ومن تلك الوصايا قولهم: “أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا”. ومن هنا سار شيعتهم على هذا النهج، مقتدين بهم، ومقيمين المجالس على الصورة التي رسمها الأئمة (عليهم السلام).

ولهذا يمكن القول بأن معالم هذه المجالس توقيفية، بمعنى أنها قد رُسمت بيد المعصوم، فلا يجوز التصرف فيها، ولا التغيير في هيئتها، لا بالزيادة ولا بالنقصان. ولذا أفتى جلّ علمائنا المعاصرين بضرورة الالتزام بالأسلوب الذي سار عليه السلف الصالح من علماء المذهب وموالي أهل البيت، لأنه متوارث من صميم منهج أهل البيت (عليهم السلام).

ومن هنا، فإن كل من يُقحم في هذه المجالس ما لا يمتّ إليها بصلة، أو يُدخل عناصر غريبة عن سمتها، أو يحاول أن يُلبسها ثوبًا ليس لها، فإنه - في أقلّ تقدير - يكون مخالفًا لطريقة أهل البيت (عليهم السلام) في إحياء الذكرى والشعائر.

وقد ظهرت في الآونة الأخيرة أصوات تدعو إلى “تغيير ملامح هذه المجالس" ، إمّا عن قصد أو عن غير قصد، وإمّا عن علم أو جهل. غافلين أو متغافلين … أنّ جذور هذه المجالس تعود إلى زمن الإمامين الصادقين (عليهما السلام)، بل إلى زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه.

من يسعى لتحويل هذه المجالس إلى منابر سياسية، أو ساحات للحديث عن الشأن العام، أو يُغرقها في الفكر والثقافة بمعزل عن غاياتها الأساس، فهو في الحقيقة يُغيّر هوية هذه المجالس، ويتعدى على ملامحها التي خطها الأئمة المعصومون (عليهم السلام). وهذا الانحراف إما بدعة محرّمة، أو خطأ فاحش، لأنه ينسف الغرض الذي أراده الأئمة (عليهم السلام) من هذه المجالس، ويُبدّل الرسالة التي أرادوا إيصالها من خلالها.
قال تعالى: “ومن يبتغِ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”.

ومما يؤكد هذا المنهج، ما رُوي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في خطبته الشهيرة في الشام ، إذ صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ابتدأ بذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، ليختم خطبته بقوله: “أنا ابن المذبوح من القفا”، في إشارة إلى مظلومية أبيه الإمام الحسين (عليه السلام)، وكأنما ختم الخطبة بعزاء ورثاء.

وهذه هي السُّنّة التي سار عليها أئمة الهدى (عليهم السلام)، ومنها اقتدى بها علماؤنا من السلف الصالح، وهي التي لا تزال حاضرة في مجالسنا اليوم. أما ما يُطرح من أساليب حديثة، تُقحم السياسة أو تروج لأشخاص وتيارات، فلا أصل لها في تراث أهل البيت (عليهم السلام)، بل كما قال الإمام: “كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل”




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=205240
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 07 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 07 / 15