كربلاء من جانب كانت محطّ ابتلاء وامتحان للأمّة عامّة ولمن التحق بأبي عبدالله خاصّة ، فاز فيها قوم وخسر آخرون ..
ولكنها من جانب آخر تعتبر نتيجة لامتحانات وثورات سابقة عاشها الفرد وخاض غمارها ، من نجح هناك استحق النجاح هنا واستلم شهادته وهديّته ، ومن خسر هناك لم يوفق هنا ..
وتبقى هذه المعادلة تعمل أين ومتى كان ، فقد تمرّ بنا ظروف تحتاج الى موقف كربلائي ووعي عاشورائي وتضحية من تضحيات الطفّ ، فإذا لم نعدّ العدّة فقد نكون ممن سمع واعية الحسين ولم ينصرها ..
ولهذا كان الالتحاق بالامام الحسين ذا شروط ينبغي أن تتوفر قد ذكر بعضها صلوات الله عليه من قبيل ما قاله لما عزم الخروج الى العراق : [ منْ كانَ باذلًا فينا مُهْجَتَهُ وموَطِّناً على لقاءِ الله نَفْسَهُ ، فلْيرحلْ فإِنِّي راحلٌ مُصبحاً ، إِنْ شَاءَ الله ] ، بل شهد العدو لأصحابه ، فهذا عمرو بن الحجّاج الزبيدي ، الذي كان من الشخصيّات الكوفيّة الموالية لبني أميّة ، يصف أصحاب الحسين مخاطباً قومه : " ويلكم يا حُمَقاء ، مهلاً .. أتدرون من تقاتلون ؟ إنّما تقاتلون فرسان المصر ، وأهل البصائر ، وقوماً مستميتين " .
( فالمرء حيث يجعل نفسه ) كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام ، ولهذا نجده - أمير المؤمنين ع - عندما ضربه ابن ملجم ونال الشهادة صاح [ فزت ورب الكعبة ] وكأنه استلم النتيجة التي عمل لها طوال عمره ..
فالنصرة والخدمة والإحياء الحسيني بأشكال ومستويات الإحياء التي ذكرناها إنما هي استحقاقات واختيارات ونتيجة أعمال سابقة قد نجح بها المؤمن واجتاز اختباراتها ، لم تأت عن فراغ ولم يفرضها الواقع أو تصنعها الصدفة العمياء ، فكل شيء عند الله بميزان .
فمَنْ لمْ يُهَيِّئْ قلبَهُ كربلاءَها
أتى الوعيَ يومَ الطفِّ وهوَ غريبُ
ومَنْ لمْ يُقَدِّمْ مهجَةً في رِضاهمُا
فما كلُّ باكٍ للحسينِ حبيبُ
بهذا المفهوم نكون قد استوعبنا شيئاً من كربلاء وبنفس الوقت قد استوعبت كربلاء كل تفاصيل حركتنا وحياتنا .. فكل عمل خير نعمله هو نوع تهيئة واستعداد لما هو أعظم وأكبر ، وكل ما هو شرّ وسوء لا سامح الله فيتجسد لنا إحجاماً وخذلاناً في مواقف أحوج ما نكون فيها للعزيمة والإقدام ، لا ينفع فيها ندم وقد لا يكون للتصحيح فرصة .. قال تعالى [ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ ] البقرة ١٦٧
يتبع
|