في الثالث عشر من شهر محرم الحرام، لا تزال الأرض تئنّ من هول ما جرى قبل يومين فقط، حيث ارتكبت واحدة من أبشع المجازر في التاريخ على تراب كربلاء حين قتل الإمام الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته وأصحابه ظلماً وعدواناً. هذا اليوم لا يعدّ ختاماً للفاجعة بل بداية مرحلة جديدة من الألم، وفي الوقت ذاته بداية لمرحلة الخلود في ذاكرة الإنسانية..

في هذا اليوم توافد بنو أسد إلى ساحة المعركة بعد أن هدأت سنابك الخيل وسكنت السيوف ليجدوا الأجساد الطاهرة مضرجة بدمائها بلا رؤوس، تفرقها الرمال وتصهرها شمس كربلاء. لم يعرفوا من صاحب كل جسد من الشهداء حتى حضرت السيدة زينب عليها السلام والإمام السجاد عليه السلام، فدلوهم على مواضع الدفن في موقف تهتز له القلوب، شارك بنو أسد في دفن الجسد الشريف للإمام الحسين معلنين عن بداية حفظ هذه الأرض كأقدس بقاع الشهادة.

دفن الحسين عليه السلام في كربلاء حيث بني فيما بعد مرقده الشريف، وتحولت تلك الأرض إلى قبلة للأحرار، ومزار للعاشقين، ورمز للثورة على الظلم.

وفي ذات اليوم، كانت القافلة الأخرى، قافلة النساء والأطفال، تدخل مدينة الكوفة، مكبلة بالقيود، مملوءة بالوجع، يتقدمها رأس الحسين مرفوعاً على رمح طويل. وصل سبايا أهل البيت إلى الكوفة يتقدمهم الإمام زين العابدين عليه السلام مريضاً مكبّلاً والسيدة زينب عليها السلام شامخة تتلو خطبتها الشهيرة في مجلس عبيد الله بن زياد، تكشف الحق، وتفضح الباطل، وتؤسس لثورة الوعي

دفنت الأجساد الطاهرة لشهداء واقعة الطف الأليمة، الأمام الحسين واخيه أبا الفضل العباس وأل البيت والصحابة الأخيارعليهم افضل الصلاة والسلام، والذي اشرف على دفنها الأمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام.

هذا اليوم ليس مجرد ذكرى دفن، بل يوم تتجلى فيه كرامة الشهداء وعظمة الرسالة التي حملوها. إنه يوم دفن الجسد وولادة القضية. يوم بكته السماء، ووعته الأرض، وخلدته الضمائر الحية.