• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : "الدوني... وين وجهك؟!" .. وجهك في قعر الخيانة، وذيلك في كف العدو، ومكانك تحت أقدام الأحرار .
                          • الكاتب : رياض سعد .

"الدوني... وين وجهك؟!" .. وجهك في قعر الخيانة، وذيلك في كف العدو، ومكانك تحت أقدام الأحرار

من المسلّمات الاجتماعية الراسخة أن الإنسان ابن بيئته، يتشرب من محيطه الاجتماعي والثقافي، ويُصاغ وجدانه على يد أهله ومجتمعه وتاريخه... ؛  ومن البديهيات العلمية أن طباع البشر تتأثر بالوراثة، ومن الواضحات ان يحمل الزنجي ملامح الزنوج، ويحمل الهندي سمات الهنود، فإنّ المرء لا يستطيع أن يهرب من جيناته أو يتنكّر لجذوره... ؛  فلو ادّعى أحدهم نسبًا ليس له كأن يدعي الافريقي ((الاسود او الاسمر))  الانتساب للعنصر الاري ولأصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الاشقر... ؛ لكان محلا للتندر والسخرية ومادة للتنمر والاستهزاء بين الناس، لأنه ببساطة ينكر ما لا يُنكَر، ويتنكّر لما لا يُنسى.

و في مجتمعاتنا واعرافنا العراقية والعشائرية والقبلية ، لا يُحترم من يتنصل من أهله، ولا يُحتفى بمن يتنكّر لعشيرته، فمن يغيّر ولاءه كمن  يحاول تبديل جلده... ؛  ولذا تطلق على هؤلاء المنسلخين تسميات مثل "الدعي"، و"اللصيق"، و"اللملوم"، و"الهجين"، و"عديم الأصل"... الخ ، وكلها ألقاب تنطوي على احتقار اجتماعي لا يُمحى... ؛ حتى شاع بين العراقيين المثل الشعبي الشهير : ((ال ينكر أصله نغل)) ويعني أن الشخص الذي يتبرأ من أصله أو ينكر جذوره هو شخص لئيم أو خبيث وهو اشبه باللقيط ؛ و هذا المثل يعبر عن أهمية التمسك بالأصل والانتماء، وأن إنكار الأصل يعتبر سلوكًا مشينًا وتصرفا مخزيا .

لكننا هنا لا نتحدث عن اختلاف الآراء، ولا عن التحوّلات الفكرية المشروعة , وتبدل الرؤى والاعتقادات عن قناعة فكرية ورؤية ثقافية  ... الخ ، بل عن شريحة من الناس اختارت طريق الدونية والخيانة والعمالة ,  والانسلاخ عن الذات الجمعية ,  والتبرؤ من الهوية الحقيقية , والتملق للآخرين على حساب اهلها وتاريخها وابناء جلدتها ، وسلكت درب الارتهان والارتزاق... ؛ باختصار مفيد :   هم أولئك الذين هجروا أهلهم وانقلبوا على قومهم، لا حبًا في الفكر الجديد، بل طمعًا في المال والسلطة أو جبنًا أمام الطغيان والاعداء ... ؛ و هؤلاء لا يختلفون عن الجواسيس الذين يبيعون اوطانهم ، ولا عن المرتزقة الذين يقاتلون أهلهم نيابة عن اعداءهم  , وتنفيذا لأوامر اسيادهم الاجانب او الغرباء او الدخلاء ... . 

إن "الدوني" ليس فقط من يخون، بل من ينقلب على نفسه، ويخدم جلاده بوعي، بل بحماسة مَرَضية... ؛ اذ تراه يفتخر بعمالته، ويتنكر لهويته، ويهاجم مجتمعه وهو في قرارة نفسه يعلم أن من يخدمهم اليوم، هم ذاتهم الذين يحتقرونه، ويعاملونه ككلب مسعور يُطلق ثم يُعدم بعد ان تنتهي مهمته ...!!

لقد شهد العراق فصولًا مروّعة من هذا النمط الحقير ... ؛  فحين تسلط على البلد مَن لا أصل لهم ولا جذور، من ابناء الفئة الهجينة وشذاذ الآفاق ومجرمي الجماعات الطائفية والعنصرية والمناطقية ... ؛ لم يستطيعوا حكم العراق إلا عبر الدعم الأجنبي والاستعانة بالخونة من الداخل... ؛  فاختاروا من أبناء الأغلبية من يقمع الأغلبية، وسلّطوا البعثي الشيعي على الشيعي المعارض، وحرّضوا الكردي المتعاون على الكردي الحر، وبهذا ضربوا إسفينًا بين مكونات المجتمع العراقي ، ودمّروا نسيجه الاجتماعي.

والأخطر من كل هذا، أن الخونة من أبناء الأغلبية لم يندموا، بل ازدادوا خيانة، وتحولوا إلى أدوات استخباراتية، ومحللين مرتزقة، ومقاتلين في جبهات لا تعنيهم، ضد أهلهم ووطنهم، بدعوى "القومية" أو "الوطنية" أو "الديمقراطية"... الخ ؛ وهم في الحقيقة عبيد أجندات خارجية وداخلية حاقدة .

فهؤلاء لم يحركهم إلا الجُبن، أو الحقد على بيئتهم، أو الطمع في سلطة لا يستحقونها، أو عقد نفسية دفينة... الخ ؛ فكلما رفضهم مجتمعهم، ذهبوا إلى عدوهم يطلبون الحضن، فما نالوا إلا المذلة والخسة والعار التاريخي ... ؛  حتى الشيعي الذي يتحول إلى وهابي أو يتبرأ من مذهبه، يُنبذ ويُحتقر ويُلقّب بالمتحوّل، ويُعامل كمشبوه لا يُوثق به.

إن مصير الخونة دومًا واحد: العار والموت والنبذ... ؛  والتاريخ شاهد أن أعداءهم لم يحموهم، بل استعملوهم ثم تخلصوا منهم، ولفظهم الجميع... ؛  فمن خان أهله لا يؤتمن، ومن باع بلده لا يُحترم.

واليوم، يعاود الخونة دورهم، فيحرضون على الفتنة، ويشككون في الانتخابات، ويدعون إلى الانقلابات والعنف، ويرفعون شعارات كاذبة من النزاهة والحرص الوطني، بينما هم أوفى الناس للعدو، وأشدهم عداوة لأبناء وطنهم، وأسرعهم إلى خيانته عند أول فرصة.

لكنّ الشعوب لا تنسى... ؛  والذاكرة العراقية خصبة، تحفظ الأسماء والوجوه، وتُسجل السقوط تلو السقوط... ؛  فهؤلاء المرتزقة، مكانهم الطبيعي هو المنافي وغرف المخابرات، لا المساجد ولا المنابر ولا الإعلام... ؛  فهم لا ينتمون لا عقائديا ولا وجدانيًا للأغلبية العراقية الأصيلة. ووجودهم وسطنا كوجود الخنجر المسموم في الجسد السليم .

فلولا هؤلاء، ما تمكّن الأعداء من العراق، ولا تقهقرت الاغلبية والأمة العراقية ، ولا سالت كل هذه الدماء... .

لهذا، فإن الواجب الوطني والأخلاقي يحتم على أبناء الأغلبية العراقية، وأحرار الأمة، أن يتصدوا لهؤلاء الخونة، لا بالسجن والقصاص العادل  فقط، بل بالكلمة، والوعي، والفضح، والمقاطعة، والعزل... ؛  فلا مكان في مستقبل العراق لخائن، ولا مكان في البيت لمن باع أهله للغريب.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=205186
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 07 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 07 / 14